مكة أون لاين - السعودية 1 - كلمة الرهط كلمة محايدة وتستجيب لأي سياق نضعها فيه، ولذا فليس لنا أن نجعلها مصطلحا، ويلزمنا للاصطلاح أن نضع كلمة توحي من أول لمحة بأن وراءها معنى اصطلاحيا، مثل ما جرى بين كلمة (شعب) المحايدة دلاليا، وكلمة (الشعوبية) ذات البعد المصطلحي المكتنز، وكنت وضعت من قبل كلمة (القبائلية) كمصطلح وكتمييز اصطلاحي يفرقها عن كلمة القبيلة بما أن الأخيرة كلمة واصفة لتكوين بشري ولها حرية بأن تدل حسب السياق الذي ترد فيه، أما الكلمة المصطلحية فتتقيد بشرط استخدامها الاصطلاحي، وطرحت فكرة كتابي (القبيلة والقبائيلة) تبعا لهذا التمييز الجوهري، وكذا سيكون مع كلمة رهط ورهطوية في ترادف يجعل الأخيرة مصطلحا يحمل السمات والخصائص التي كررنا ذكرها في المقالات السابقة، لنميز نوعا من المتابعين في تويتر يخرجهم من مجرد المتابعة إلى التماهي مع عيوب صاحب الحساب، وأعني العيوب حصرا وتحديدا حتى لتصير بمثابة السمة والخاصية لهم عن رضا، وتنتهي إلى تصبغ بعض المتابعين بصبغة المتبوع لدرجة ممارسة أخطائه ويرون عيوبه مزايا، وبذا يكونون رهطا ولم يعودوا متابعين كما تقتضي سمات المتابع المستقل بخياراته وآرائه، وهذه أولى خصائص الرهط، وثانيتها أن كل خصم لصاحب الحساب يتحول ليكون خصما للرهط بضرورة التبعية المطلقة حتى من دون سابق سبب لخصومة لهم معه، إنما يكفي عدم رضا صاحب الحساب عن هذا الذي سيصبح خصما للكل، وثالثة الخصائص هي أن صاحب الحساب ما كان لخطابه أن يكون موضع سؤال لولا الرهط المتماهي مع خطابه، وبالتالي فهو صنيعة لرهطه، وإن بدا أنه قائدهم، أي أن الرهط يختزنون هذه السمات أصلا، ووجدوا ضالتهم في شخص أخذ يستخدم أسلوبا كانوا سيستخدمونه لو كان أي منهم مكانه، وهنا تشكلت حالة التماهي فتقوى صاحب الحساب بهم، ولو لم يلتفوا من حوله لمر كأن لم يكن، والرابعة الحاسمة أننا لسنا أمام مسألة عن الأفكار ولكنها قضية في الأساليب، أي في استخدام أسلوب معيب يضر بالفكرة ولا يخدمها، وكلما أمعن الرهط في أسلوبهم المعيب زاد الإضرار بالفكرة، وستراهم يجنحون إلى تسخير الفكرة للدفاع عن أسلوبهم بدلا من توظيف الأسلوب للدفاع عن الفكر، وبما أن هذه الخصائص الأربع صارت صبغة ملازمة للرهط، وصارت تسم سلوكا ثقافيا مشهودا في تويتر، فإنهم لم يعودا رهطا فحسب، وإنما أصبحوا ظاهرة رهطوية تصف أحد وجوه التفاعل في موقع تويتر. 2 - ستصبح الرهطوية مظهرا يقوم على التناقض النسقي في الجمع بين الدين مثلا كعنوان لهم وبين الفجور في الخصومة، وهي النقيض التام للقيم الدينية، أما المثال الثاني فلا يختلف عنهم في عيبه النسقي الرهطوي، حيت يجمع بين عنوان الوطنية ولكنه يوظفها لقمع مخالفيه ويجعلها سكينا في ضمير أبناء الوطن حتى جعل الذاكرة الثقافية للوطن في مبارزة ضد أبناء الوطن (عبارة لولا جدي، وقد أشرت إليها في المقال الأول)، وهذه عند الطرفين تتكشف وقت الاختلاف والاختصام حيث ينفجر المخزون النسقي مع أول لمسة تمس نقطة مخبوءة في داخله. وهي ظاهرة رهطوية تمعن في الترسخ وتتأسس في خطابات تويتر، وتزداد ترسخا بدفاعها عن خطابها بأسلوب يستخدم العيوب نفسها ويوغل فيها. 3 - لا شك أن العينة المستهدفة قد أدركت فداحة النقد الكاشف لعيوب خطابهم، ولذا ثاروا في تويتر وبرز تحسسهم من وصفهم بأنهم رهط، وهو تحسس صحيح وليته يكون إيجابيا بما أنه يكشف أن الصفة منبوذة، وهي حقا تستحق النبذ، ولا أحد يريد لنفسه أن يكون رهطويا، لكن الإشكال أن الذي ينبذ الصفة مازال يمارس الفعل، وفي الخطاب الموجه ضد مقالاتي كانوا يجمعون النقيضين، ففي حين يرفضون الصفة، فإنهم يمارسون الفعل بشاهد لغتهم التي ظلوا ينتجونها ضد نقدي لهم، وأهم ما جرى منهم هو رفض النقد أولا ثم شتم الناقد، ثم الإمعان في العيب القديم نفسه لدرجة تبريرهم للفحش اللغوي في الخصومة ماداموا يدافعون عن صاحبهم، وقد وصل الأمر بنثر صفات في التفسيق والطعن والتكذيب وترديد كلمة (منافق) حيث تظهر ما بين تغريدة وأخرى، أي يفعلون كل صفات الرهطوية ثم يغضبون من وصفهم بها...! وهذا يدل على تأصل المشكل وبلوغه مستوى عميقا في النفس المتماهية معه. على أن نبذهم للمصطلح بسماته المحددة هو أول علامات الوعي بعيوب الخطاب، وبقي المرحلة الأهم والأصعب وهي تسمية الأخطاء بأسمائها، وهو ما يحتاج إلى وعي إضافي بشروط نقد الذات. 4 - ونصل الآن إلى سؤال العنوان حول صفة الخطاب في تويتر، على أن الصبغة العامة لفضاء تويتر هي صبغة إسلامية، وأعني الحسابات السعودية بما أني خصصتها بوقفتي ودرسي، وهي حسابات تضع نفسها تحت المصطلح الإسلامي (مع استثناءات لا تشكل ظاهرة قوية) وبما أن المعنى العام هو معنى إسلامي فستنحصر الفروق لتكون فروقا مفاهيمية، بين ما هو إسلامي بحق وما هو إسلامي بدعوى، وكل أنواع الخلافات المشهودة في تويتر تقف وراءها هذه الثنانية: (إسلامي بحق، إسلامي بادعاء)، وعلامة ذلك سنراها جلية في الحسابين اللذين اتخذناهما مادة تطبيقية في نقدنا للرهطوية، فهما معا يقولان بإسلامية نظرتهما وبحرصهما على المعنى الإسلامي، كل من حيث وجهته، والتنازع بينهما في مفاهيمية كل منهما حول ما هو إسلامي بحق أو بدعوى، ومن أمثلة ذلك موقف كل منهما من الجامية ومن مفهوم الحسبة، بين من يرى الحسبة من أمور ولي الأمر حصرا وقطعا والجامية عنده هم أهل السنة والجماعة، والثاني يقول بخلاف ذلك في المسألتين معا، وكل منهما يحيل إلى مرجعية فقهية يعتمدها حجة له، ومع أي حالة تطرأ عند أي منهما فإنه يلجأ للمدونة الفقهية ليعضد رأيه برأي معتمد عند فقيه قديم أو حديث مع الحرص على تفنيد قول خصمه، في توظيف متصل للنقولات الفقهية وتوجيه معناها لصفه في تعزيز لمرجعيته الفقهية، وكذا هي الحال الغالبة على عموم حسابات تويتر (السعودية) حين الخلافات، وليس ببعيد عنها نقاشات مسائل مثل قيادة المرأة للسيارة، والابتعاث، وقد قادت لمناقشات على شاكلة خصومات، وكل يسند قوله بمرجعية فقهية، ومثله الموقف من الربيع العربي، وأسئلة الحرية أو الفتنة، يضاف لذلك موقف نشأ وعم وشاع من فضائيتين عربيتين (الجزيرة والعربية) وستحظى واحدة بكل صفات التبجيل والتبريك ويكون نصيب الأخرى القدح والطعن، حسب خيار كل منهما لمفضلته (سياسيا) والتي لا تخلو من انحيازات صارمة تكشفها مفردات الخطاب وانتقاء الموضوعات والأمثلة وتحميل الصفات والإحالات، ولسوف تلاحظ الحماس عندهما معا في كافة قضايا الخلاف حتى ليبلغ مرحلة من ادعاء كل واحد بأنه على حق مطلق وخصمه على باطل مطلق. ولكن العين الناقدة سترى خطابا متبادلا بينهما ينطوي على مزيج من المتضادات من جهة، ومن الهجائيات الثقافية من جهة ثانية، وكلها عينات ثقافية تخضع حتما للدرس والبحث ولكنها لن تكون أبدا موضوع فصل بين حق محض وباطل محض. وفي مثل هذه الأجواء غير المنقودة تنشأ وتعشعش الرهطوية بكل خصائصها، وسيظهر نشاطها وكأنه لتبرير سلوكها الرهطوي حتى ليكون دفاعها عن نفسها وأساليب خطابها أعلى من اهتمامها بالقضية الأصل، ومع هذا التناقض البين فستظل الصبغة التي يسعى كل طرف لوضع نفسه تحتها وقت المبارزة هي الصبغة الإسلامية مع حرص متأكد على اللجوء للمدونة الفقهية لتعضيد الموقف وتعزيز الحجة.