مكة أون لاين - السعودية كتب جوال منطقة المدينة رسالته الصباحية اليومية الموسومة بصباحكم خير، وكان عنوانها "المسؤول والظهور الإعلامي" فتم نشرها في جوالات المناطق في المملكة عموما، وكأن لسان الحال هذه الحقيقة وماجاء فيها يمثل الواقع! يتغنى المسؤول بعقده لاجتماعاته داخل نطاق عمله، ويتباهى بجولاته، ويشكر من شاء ويثني على من أراد، وتقوم الإدارة المعنية بالإعلام لديه بنشر صور ذلك الاجتماع وتلك الجولة ليتم نشرها في الصحف في اليوم التالي. هذا المشهد يتكرر يوميا، في تناوب مقيت بين المسؤولين، ولا يعلم القارئ الهدف منه: هل هو تلميع لذلك المسؤول؟ أم لتلك الجهة التي ربما لم تفلح في خدمة مراجعيها بالشكل المطلوب، حتى يقوم المسؤول بجولة إعلامية على الفروع أو الإدارات والجهات التابعة لها! والمتأمل لا يجد نتاجا لتلك الزيارات، فالمسألة مجرد استهلاك إعلامي، وتجد القارئ يتساءل: أليس هذا من صميم عمل المسؤول؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا كل هذه الضجة الإعلامية والحفاوة الكبيرة؟ فالمرء عندما يقوم بعمله لا يفترض أن ينتظر المباهاة أو الإعلام، بل المفترض العمل الدؤوب حتى يتم الإنجاز، وحينها يأتي دورالإعلام ليبرز ذلك المشروع أو البرنامج أو الفكر الذي نضج وحان قطاف ثماره، ولكي تكون يانعة فإن الإعلام شريك في ذلك، بل ربما لا يتم ما أريد له إلا بالإعلام، ولكن بإنجاز تفخر به تلك الجهة ويعد إضافة تنموية للموقع الذي تم فيه الإنجاز. وكم قرأنا عن مسؤولين يقومون بزيارات لمواقع معينة، وفي غضون أيام يكتشف الجميع الخلل الموجود في ذلك المشروع الذي تمت معاينته والشرح التفصيلي لجزيئاته، فأنفاق تمتلئ بالمياه، ومبان يظهر فيها تصدعات، وأرضيات ملاعب يتم تغييرها بعد الافتتاح، وطرق وجسور تنهار بعض أجزائها! وفي تصوري أن مثل تلك الزيارات والجولات يفترض أن تحاط بالسرية، لكي تؤتي ثمارها المطلوبة، فالمسؤول عندما يفاجئ جهة تابعة له بزيارة ويتقمص شخصية المستفيد فإنه سيكتشف حينئذ النقص ويعاين الخلل، وبهذه الطريقة يتم الإصلاح.. لكن المؤسف أن ما يجري هو الإعلان عبر وسائل الإعلام عن زيارة أو جولة، وهذا خطأ جسيم، فالقائمون على تلك المواقع التي يراد التوجه إليها سيقومون قطعا بإظهار الجميل وستر القبيح، ولذا رأينا الإشادات والشكر والتقدير يزجى لبعض المسؤولين الصغار من كبار المسؤولين، والسبب ببساطة أنهم أظهروا لهم برامجهم وخططهم - ربما المستقبلية - وغاب أو تم تغييب الواقع المرير الذي تعيشه تلك الجهة من حيث إجراءاتها وتعاملاتها أو الموقع والمواقف وغيرها، ولذا نشاهد عددا من الجهات تمكث في مبان مستأجرة ولسنوات ربما امتدت لعقود! وفي رأيي أن التقاء المسؤول الذي يتسنم رأس الهرم المواطنين في الجهة يفترض أن يحاط بسرية تامة، وإبعاد القائمين على الجهة، لكي يستقي حاجاتهم ويتوصل إلى متطلباتهم، ومن خلال ذلك يستطيع التطوير والإصلاح. وليتنا نجد هاتفا للشكاوى في كل جهة، وكذلك بريدا الكترونيا لرأس الهرم فيها، ومن خلال ذلك التواصل يستطيع المستفيد البوح بما يجد من معاناة أو يبدي مقترحات يرى أنها تيسر أموره، وهذا مطلب ينادي به خادم الحرمين الشريفين رعاه الله دوما، وهو خدمة المواطن بالشكل المطلوب، وبالتالي يتوجب على كل مسؤول التفكير الجاد في تنفيذ هذه الأوامر السامية. إن المتابع يشعر بملل ربما يصل إلى حد الكآبة جراء ما يجده من تلك الأخبار المكررة، والتي لا تضيف له شيئا سوى معلومات لا قيمة لها، فالمسؤول زار وتجول وأثنى وشكر، والمفترض أن ننتقل لمرحلة أكثر فائدة وتحمل في طياتها إنجازات تنموية لهذه البلاد، وأخبارا تحمل البشائر للمواطن، وهو عنصر التنمية الأول في كل بلدان العالم. ورسالة إلى وسائل إعلامنا أن تتجاوز دائرة المجاملات، وتتجاهل أخبار التلميع تبعا لذلك، حتى تؤدي رسالتها المطلوبة، فرسالتها أسمى من كل ذلك، وهذا المقصود بعبارة: "الإعلام شريك رئيس في التنمية" والمفترض أن تعنى بمصلحة المواطن، فتنقل معاناته وتبث آهاته من أي جهة كانت، وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للإعلام، ومن خلاله يتم الإصلاح. وكم أعجبتني كلمات قالها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة السابق حين قال صراحة: المدح لا يضيف شيئا، والنقد البناء هو وسيلة الإصلاح الذي يطالبنا به قائد المسيرة. فهل تفعل وسائل إعلامنا، وتؤدي رسالتها المنشودة؟