الحياة اللندنية كأننا في عهد أحد السلاطين. أركان حكمه يحيكون مؤامرة في الظلام. لا وجود لوسائل إعلام. لا يحق لأحد أن يعترض أو يطلع على خطة الغزو. حتى الجيش المكلف تنفيذها يسير وراء الراية هاتفاً باسم «الخليفة» من دون أن يسأل إلى أين. هذا ما يؤكده، سلوك أردوغان وحزبه. في غرفة سرية تابعة لوزارة الخارجية يجتمع منظر العثمانية الجديدة أحمد داود أوغلو ورئيس الإستخبارات حقان فيدان ومسؤولان آخران. موضوع الإجتماع البحث عن ذريعة لشن حرب على سورية. اقترح فيدان إرسال جنود عبر الحدود ليطلقوا صواريخ على ضريح جد العثمانيين، أو على «أرض بور داخل تركيا» وإلصاق التهمة ب «داعش» أو بالنظام. ولحبك الخطة وتنفيذها من دون ضجة دولية، يتكفل السلطان أردوغان بمعالجة الأمر مع الولاياتالمتحدة والأطلسي. والحجة القانونية بسيطة: سورية اعتدت على ضريح «الجد». والشعب التركي لن يعترض على الإنتقام من المجرمين في حق الضريح. أما وزير الخارجية فأكد في التسجيل المسرب أن «رئيس الوزراء يرى الأجواء مناسبة لشن الهجوم». الطريف في الأمر أن أردوغان ووزير خارجيته لم ينفيا الخبر، بل هددا بالإنتقام من «المتآمرين على أمن الوطن». بدأ الإنتقام. حجبت مواقع التواصل الإجتماعي، وانطلقت التحريات لكشف المسربين ومحاسبتهم. الواقع أن تدخل أنقرة في سورية لم يعد في حاجة إلى دليل ولا إلى كشف الأسرار فهجوم المسلحين على ريف اللاذقية انطلاقاً من الأرض التركية فضح كل الكذب الإعلامي لحزب «العدالة والتنمية». ومراكز تدريب «الجهاديين» وتسليحهم معروفة لدى المعارضة. لكن تسريب خبر «المؤامرة» وضع أردوغان وأركان حكمه في مأزق قبل انتخابات يعتبرها «السلطان» مصيرية. وأكد أن الديموقراطية التي يعتبرها الغرب وكثير من المفكرين نموذجاً يجب تعميمه في العالم الإسلامي ما هي إلا وسيلة للتشبث بالحكم بأي طريقة كانت وإخضاع المعارضة بالقوة. عندما تتخذ الديموقراطيات قراراً بشن حرب تخضعه لنقاشات علنية طويلة داخل المؤسسات. نقاشات تشارك فيها الأحزاب المعارضة والموالية ويطلع عليها الشعب عبر وسائل الإعلام التي تشارك هي الأخرى في النقاش. ولا يجوز أن يجتمع عدد من المسؤولين سراً ويزجوا البلاد في حرب مبنية على أعذار واهية، وعلى أكاذيب من أجل البقاء في السلطة. لم يوفر أردوغان وسيلة لإعادة العصبية إلى حزبه وأنصاره، قبيل الإنتخابات. شدد على انتمائه إلى الإسلام السياسي وإلى التراث العثماني. شن حملة غير مسبوقة على أتاتورك وعلمانيته. اتهم كل من سبقه في الحكم بطمس تاريخ السلطنة و «إنجازاتها» وبالتعتيم على دور الإسلام في إنشائها. لم يكتف بالخطب وتوجيه التهم، بل رافق ذلك بإجراءات عملية حين طرد أو همش كل من لا ينتمي إلى تياره. ضرب فئات كثيرة من المكونات الأساسية في تركيا، مثل العلمانيين والعلويين والأكراد، استبدل المسؤولين منهم بأنصاره ومحازبيه. وهو الآن يخطط لشن هجوم مباشر على سورية، بعدما كان يحاربها بالواسطة. وبعد كل هذا يتحدث عن نموذجه الديموقراطي، ويأخذ على المصريين إطاحة مرسي ويعتبر ما حصل في القاهرة انقلاباً. الشفافية وعدم حجب المعلومات عن الشعب، ومشاركته في اتخاذ القرارات، ومحاسبة المسؤولين أهم ما يميز الديموقراطيات. فأين السلطان من كل ذلك؟