الاقتصادية - السعودية تشير دراسة حديثة إلى أن تقبل الرجل السعودي للمرأة العاملة لا يزال تقليدياً ومتحفظاً، ولكن الدراسة نفسها تشير أيضاً إلى أن هذه النظرة تقل كثيراً لدى الرجال الأصغر عمرا. وكما هو معروف، تضاعفت خلال السنوات القليلة الماضية أعداد المرأة العاملة في القطاع الخاص بنسبة تتجاوز ال 400 في المائة، ولكن لا تزال المرأة تمثل نسبة 60 في المائة من إجمالي العاطلين عن العمل. وكل هذا يؤكد قوة التغيير الذي يحصل اليوم إضافةً إلى استمراريته. تثير هذه التغييرات العديد من الأسئلة التي تخص الإدارة المالية داخل الأسرة: كيف ستتطور الأمور، وما آثارها؟ وكيف يجب الاستعداد لها؟. الصورة النمطية لعلاقة الزوجين في مجتمعنا لها ملامح واضحة يسيطر فيها الرجل أكثر، وهذا يشمل العديد من الجوانب بما فيها الجوانب المالية. والجديد في الأمر أن هذه الصورة النمطية تمر بضغوط متعددة تجعلنا جزءا من عملية تغيير ضخمة متعددة الملامح. تركيبة العلاقة المالية بين الرجل والمرأة التي تختص بمسؤوليات العمل والرعاية وجني المال والصرف والادخار لا تتغير محلياً فقط، فهي تتغير على مستوى جميع دول العالم، أكثرهم يسبقنا في هذا التغيير ببضعة عقود. يخسر من يتجاهل التغيير عمداً ويخسر من يجهله بحسن نية. إذا تجاوزنا كل التغييرات المصاحبة لعملية المخاض التي تعيشها ترتيبات العلاقة الزوجية والأدوار التي يتبناها كل طرف، سنجد أن الجوانب المالية داخل الأسرة تتعلق بالعديد من الجوانب المهمة مثل توزيع المداخيل والمصاريف، وترتيب الأولويات، واتخاذ القرارات الكبرى، وتأثير كل ذلك في استقرار العلاقة ونتائجها الإيجابية. يساعد حسن إدارة أموال الأسرة على تفادي الكثير من المشكلات، وهو كذلك مؤثر أكيد في جودة الحياة التقاعدية، وفي فرص نجاحات الأبناء في المستقبل، حتى خارج إطار الأسرة نفسها. تجاهل أهمية التغييرات التي تحصل في الجوانب المالية، بغض النظر عن موافقتنا لها أم لا، يؤدي إلى نتائج وخيمة لا يتمناها أحد. لذا يجب على كل طرف أن يتعرف على طبيعة هذه التغييرات ويحاول تفادي عواقبها وتجييرها لصالح علاقته مع شريكه. يمكننا النظر إلى الجوانب المالية في العلاقة الزوجية من ناحيتين: القنوات والقرارات. يختص جانب القنوات بمصادر الدخل لدى الأسرة وكيفية صرفها وتوزيعها، ومن ذلك اعتبار الجهد وأحقية المشاركة في الدخل الذي يضمنه كل فرد لبقية أسرته. ويأتي على قمة هذه الاعتبارات الاعتراف بجهد من يصنع المال للبقية. كان الرجل هو من يعمل في السابق، والتغيير اليوم يضع المرأة كرافد مالي رئيس للأسرة. تقدير الرجل المعنوي لهذا التغيير واجب ومهم إذ يصنع حِرزاً من الظنون ويمنع نمو بذرة الشر. تشمل القنوات كذلك مصاريف الأسرة، وكيفية توزيع الدخل على الأفراد وعلى احتياجاتهم المستقلة والمشتركة. وفي عالم يستقل فيه المراهق والطفل، يقتضي الذكاء الأسري مراعاة ذلك بالاتفاق المعلن بين جميع أفراد الأسرة على توضيح وتوزيع القنوات التي تخرج منها الأموال. هناك ما يذهب للادخار أو للسكن مثلاً، وهناك ما يذهب لمصاريف المنزل المشتركة والأبناء، بينما تُخصص بعض القنوات لمصروفات الفرد الشخصية، أو تصنع حيزاً لبعض الحرية والاستقلالية والترفيه. من الصعب أن يلزم أحدهم أفراد أسرته أو حتى نفسه بالانضباط التام والدائم في الإدارة المالية، ولكن وضع الأمور في نصابها والاتفاق المشترك والمعلن الذي يتجدد باستمرار يصنع شبكة تحميه من نزاعات المستقبل وتوفر له نقطة مهمة للتفاهم المشترك. هذا النوع من الاتفاقيات الصريحة والشفافة يعد أحد أهم متطلبات التغيير الذي تتطلبه العلاقة الزوجية الحديثة، فالغموض والكتمان داخل مؤسسة الأسرة هادم رئيس للثقة، ومن دون الثقة يصبح البناء مهترئا وخطيرا. حتى لو تشارك الزوجان في صنع مداخيل أسرتهما مناصفة، هذا لا يعني أن يتشاركا القرارات مناصفة. بعض القرارات تتطلب الاشتراك في اتخاذها "القرارات الكبرى كالسكن والتنقل"، بينما يتطلب البعض الآخر المشاركة على مستوى الرأي وانفراد أحد الأطراف بالقرار "كالتسوق والأنشطة الترفيهية". المهم أن يُترك القرار لأحد الزوجين بتسليم الآخر، كما جرت العادة أو تم الاتفاق عليه، في توازن مرض للطرفين. تصنع الأسرة المرنة التي تجيد التعايش في عالمنا المعقد ثقافتها الداخلية الخاصة بها. لدى الزوجين في هذا النوع من الأسر محفزاتهم وأساليبهم الخاصة التي يحددون بها الأولويات والأدوار وكيفية إدارتها، لديهم ما يمكنهم من تفادي المشاكل أو التقليل منها، ويعتادون على التراضي بطرقهم المبتكرة التي تبدو غريبة أحيانا، دون مبالغة في المعاوضة أو حتى ظلم في التضحيات. لن نجد حل هذه القضايا في اتباع النصائح الغربية أو الثبات على العادات البالية، بل هو في صنع ثقافة مالية خاصة يتفق عليها الزوجان وينميانها باستمرار، بالتعلم والشفافية. وهكذا تصبح هذه العلاقة جزءا من ثقافة أسرية خاصة بهما تساعدهما على تجاوز القادم من التحديات.