مال - السعودية لا يختلف اثنان في أننا شعب مستهلك حتى النخاع، شعب تفيض عن حاجته الأساسيات، ويلهث خلف الكماليات والتحسينات؛ انطلقنا بلا مقدمات، وفي غضون سنوات من الحياة البدائية البسيطة، إلى الحياة المدنية العصرية، فطفقنا في حال يصدق عليها المثل الشعبي "عنز بدو طاحت في مريس". استهلكنا الأخضر واليابس، وتخطينا المعدلات المقبولة، وسابقنا كبريات الدول، حتى ظهرت على مجمعنا آثار موجعة من، انخفاض مستوى المعيشة، وتضاؤل المدخرات، وزيادة الطلب السلعي، وتنامي الاقتراض، وتعاظم الديون الشخصية، وتفاقم حالة التذمر والإحباط الشعبي؛ فضلا عن استمرار الاستهلاك بحدية أكبر، مما ينذر بمستقبل أسوأ مما نتوقع. نظرت إلى المستهلك السعودي، وحاله المائل؛ وتأملت في ثقافتنا وإرثنا الحضاري تجاهه، فوجدت فيها المنهج الرشيد المتوازن، بين نظرة الرأسمالية المغرقة في الماديات والمتع، وبين نظرة الاشتراكية المجحفة فيهما... إن نظرة الاقتصاد الاسلامي عن المستهلك، تعتمد على مبادئ الارتباط الشامل، بين القِيَم الدينية، والمعايير الأخلاقية، وبين قرارات الحياة اليومية؛ ومن هذه المبادئ: 1- أن الإنفاق الدنيوي لا يمثِّل الغايةَ النهائية من حياة المسلم، إنما الغاية القصوى هي امتداد أثر المنفعة وامتزاجها من الدنيا إلى الآخرة؛ ولذلك فالمستهلك يقنع بالحد المعقول، من الإشباع المادي لحاجاته الأساسية؛ لأن له غاية أسمى من كل هذه الحياة ومباهجها. 2- "الأصل في الأشياء الإباحة" وآفاق الطيبات واسعة كبيرة، وحيز الخبائث محدود محصور؛ وحرية المستهلك برغم اتساعها، إلا أنها موجهة ومنضبطة، داخل إطار من التعليمات الإسلامية، التي تحقق الوئام والانسجام، بين مصلحة الفرد والمجتمع. 3- الكميات المخصصة للمستهلك محددة؛ فالتعاليم الإسلامية تحض المستهلك على التوسط والاعتدال؛ وبلوغ حد الكفاية؛ وتقديم الأولويات الضرورية على الثانويات الكمالية؛ وعدم الإنسياق والإنجراف وراء رغبات النفس الجشعة؛ وتحرِّم عليه الإسراف والتبذير والبخل والتقتير؛ بل وترشده إلى الأفضل بالادخار، وتنميته بالاستثمار، لئلا يتآكل ويتناقص؛ وهذا لب الاقتصاد الإسلامي؛ حيث يعتمد وبشكل أساسي على الادخار وليس الاستهلاك. 4- المنفعة والمتعة والرفاهية القصوى مقصودة ابتداء للمستهلك نفسه، ولكنها تتعداه إلى تحقيق منافع للآخرين؛ ولذلك يحرص الإسلام على تحقيق التكافل والتضامن الاجتماعي، عن طريق الزكاة (كحد إلزامي أدنى) إلى ما يعلوها من أنماط الإنفاق الزائد كالصدقة والوقف والتطوع... إن هذه المبادئ المثالية المتوازن، منهج حي رشيد يضمن لنا حياة كريمة، وآخرة سعيدة؛ فلنخلطها بحياتنا اليومية، ولنخطط لدخولنا المالية؛ ولنتعلم تنظيم ميزانية الأسرة؛ ولنتحكم بمصاريفنا، بعيدا عن نظرة الناس والإسراف والخيلاء.