الاقتصادية - السعودية عمري 19 سنة، وأنا مقترض، ولدي استثمار". كان هذا عنوانا متكررا في أحد مواقع الاستشارات المالية الشخصية. الكثير من السائلين في هذه المواقع لا يزالون في مقتبل العمر، على مشارف انتهاء الدراسة الجامعية أو في بداية حياتهم الوظيفية، وجزء كبير من قضاياهم يرتبط بجدولة القروض الدراسية والتخطيط للاستثمار والادخار. من هؤلاء من يملك شجاعة السؤال واستقلالية القرار، إضافةً إلى المسؤولية الواضحة تجاه مستقبله المالي. تزايدت القروض الدراسية في العالم الغربي، والولايات المتحدة خصوصا، حتى وصلت إلى مستويات كبيرة وغير معهودة. إلى درجة أن إجمالي رصيد القروض الطلابية الأمريكية تعدى حاجز التريليون دولار، متجاوزا قروض بطاقات الائتمان. يستدين اليوم أكثر من 93 في المائة من الطلاب في أمريكا لتغطية احتياجاتهم الدراسية، في حين كان يشكل المستدينون 43 في المائة فقط في عام 1993. إذا تجاوزنا الحديث عن مهام الحكومات في توفير التعليم العالي بتكلفة ملائمة، سنرى أن لهذه المسألة أبعادا أخرى مهمة على المستوى الشخصي. التحدي الاقتصادي في مقتبل العمر هو تحدي بقاء يطول أثره وربما يمتد لأكثر من جيل. النتائج السلبية التي تتسبب فيها هذه المرحلة تؤثر في الشاب وفي الجيل القادم الذي يُعيله هذا الشاب. فالفارق كبير جدا بين الطفل الذي ينشأ في بيئة تتوافر فيها أساسيات حياته بجودة عالية، وبين الطفل الذي يُحشر مع والديه بين جدران الديون! تُثبت أعمال الشغب التي حصلت في بريطانيا خلال عام 2010 مدى جدية التضخم في التكاليف الدراسية. وما يزيد المشكلة أن التطورات التنموية – كما هو مشاهد في بعض المجتمعات – تفتح أبواب الضرر، فانتشار النماذج الرأسمالية وخصخصة المؤسسات التعليمية تعني زيادة أكيدة في التكاليف الدراسية. التعليم مجرد "بند" في حياة الشاب، ومثله يأتي المسكن وقائمة طويلة من التكاليف الاجتماعية الأخرى. من الواضح أن التحديات الاقتصادية تصبح أكثر وأقوى مع مرور الوقت. حتى محليا، نستطيع بسهولة رؤية التغيّر في سن الزواج واضطرار الشباب للاقتراض. ولهذا، يبقى السعي "المبكر" خلف الاستقلال المالي الملجأ الأهم للشاب من كل الاحتمالات والتقلبات القادمة، بغض النظر عن المحاولات الشكلية والحقيقية لتحسين خياراته الاقتصادية، من حكومته أو من والديه. تنتظر كل شاب قرارات اقتصادية ومالية مهمة، وتنتهي فرصة تأجيل هذه القرارات خلال بضع سنوات بعد دخول سن العشرين. يبدأ الشباب لدينا مرحلته الجامعية وينهيها وهو مستفيد من دعم البرامج الحكومية أو من والديه أو من كليهما معا. وتظهر مسؤوليته المالية بعد أن يتقاضى أول راتب، ولا تتجسد بوضوح إلا حين يتولى المسؤولية المالية الكاملة عن نفسه وعن غيره. لكن قبل ذلك، لن يشعر على الأرجح بما يحفزه على الوصول إلى الاستقلال المالي، ولن يخطط فعليا لأي قرارات من هذا القبيل. حتى إن تلقى من أسرته بعض المساعدات التربوية المالية، فتأثيرها محدود لأنه سيظل مستمرا على تلقي الدعم. ثلاثة ملامح للاستقلال المالي يجب أن يحوزها الشاب من عمر مبكر، على الأقل قبل دخوله المرحلة الجامعية. الأول، أن يعي جيدا أن الدعم الذي يتلقاه دعم غير مستمر، وقد تتغير الظروف في أي لحظة. والثاني، أن يثق بقدراته ومهاراته القابلة للتطوير، خصوصا المتعلقة بإدارة أموره الشخصية. والثالث: أن يتعرف على أساسيات التخطيط المالي والحلول المتوافرة له حاليا. وهكذا يتمكن مثلا من اتخاذ قرارات استثمارية في مرحلة مبكرة من حياته. وقد يجازف – وهو يمارس استقلاليته – بما يملك، فيتعلم بالطريقة المباشرة والصادقة جدا. المهم أن تخرج تجاربه بمهارات مكتسبة، مثل الانضباطية والتوثيق، التي بدورها تمكنه من وصول مرحلة الاستقلال المالي في الوقت المناسب. يستنجد الشاب الغربي بالغير لحل مشكلات القروض العويصة، ولكن قد يكون لديه ادخار معتبر في الوقت نفسه. التحديات الاجتماعية والاقتصادية - كالضرائب والتفكك الأسري - التي يخوضها منذ الصغر تعلمه أن ما يُمكّنه من البقاء هو سعيه المستمر والمبكر لتحقيق الاستقلال المالي. لا بد أن يقرأ ويخوض كل شاب تجاربه المبكرة والمتعمقة في عالم المال والإدارة الشخصية. أقترح أن يبدأ بثلاث خطط رئيسة، تكون مكتوبة ومحددة زمنياً يتبعها تنفيذ وممارسة فعلية. خطة لإدارة موارده ومصروفاته اليومية الحالية، وخطة لإدارة موارده ومصروفاته خلال المرحلة المقبلة (وظيفة أو زواج)، وخطة للادخار والاستثمار الاحتياطي للمستقبل البعيد. لا يوجد ما يمنع الشاب التخطيط لسنوات قادمة من الانضباط والترفيه حتى تقاعده. بل إن هذا ما يجب فعله، حتى ولو كان الشاب في بداية حياته الجامعية. فطريق التقاعد المريح يبدأ من هنا! تصورات المستقبل والتعهدات الذاتية ليست إلا خططاً للطريق تتحول إلى واقع لمن يحترمها، بينما تتحول خيالات الفوضى والعشوائية إلى واقع فوضوي وعشوائي، ولا غرابة في ذلك.