الاقتصادية - السعودية اليوم صرنا نراقب أقوالنا وكتاباتنا. الكلمة قد تكون قاتلة. الكلمة قد تفصل الجد عن اللعب، وهناك أمة تمنح الكلمة حق قدرها أي تفهم وتستوعب تأثيرها وهم العرب. والأمم تُعرف من خلال خطابها. والخطاب بمفهومه العلمي والأكاديمي يتضمن اللغة وكل ما يستخدمه البشر لتوصيل الفكر والمعرفة والثقافة وحفظها للأجيال القادمة. والخطاب بمثابة وعاء فيه تخزن الأمم المختلفة موروثها من الفنون ولا سيما النحت والرسم والموسيقى والغناء والأدب بمختلف أجناسه من شعر وقصص وأساطير وملاحم وغيرها. هذا تعريف واسع جدا قد يرى البعض أنه يتضمن كل شيء حولنا أي أنه عام بينما أفضل التعاريف هي التي لها مفاهيم يمكن تحديد أطرها بدقة. ولكن هذه هي مشكلة النص أو الخطاب. نحن لا نفشل في تعريفه بل نفشل في تحديد أطره والأنكى أننا نختلف في استيعابه وتفسيره. خذ مثلا نصا يراه أصحابه مقدسا، ولكثير من الأمم نصوص مقدسة وليس فقط أتباع الأديان السماوية. والنص المقدس لا يشمل الكتب التي يراها أصحابها أنها منزلة من السماء. النص المقدس قد يشمل صورة أو تمثالا أو نقشا أو كتابة أو مبنى وحتى قصاصة ورق يراها البعض ذات قيمة خارقة فوق قيمة الإنسان صانعها، ولهذا يرى هذا البعض أنه من الواجب إيقاع قصاص قد يكون مرعبا بالذي يسيء إليها أو ينتهكها. يخطئ الظن من يتصور أن أصحاب الأديان السماوية هم فقط يؤمنون بأن ما لديهم من كتب وكل ما يتعلق بها تقريبا يقع في خانة المقدسات. بشر عادي يمسك زمام السلطة وفجأة يمنح نفسه أو يمنحه البعض من المكانة والمهابة ما يمكنه من إنزال عقاب بكل من ينتقص من مكانته يفوق بشدته ما قد يتعرض له فرد ما إن أساء إلى ما يعده المجتمع أنه من السماء. والأمثلة على ذلك كثيرة إن كانت من التاريخ أو العصر الحديث. واليوم قد تصل أو تفوق منزلة عَلَمَ دولة منزلة ما يراه الناس كتابا أو خطابا مقدسا. أو تقول ربما ما تشاء بحق أي دين سماوي أو كتاب مقدس أو تتنكر له أو تهين رموزه، ولكن لا تستطيع نكران أو تنكّر أو إهانة المحرقة. أعود إلى عنوان المقال بعد هذه المقدمة الوجيزة وآمل أن تمنح القارئ الكريم نبذة مختصرة جدا عن مفهوم النص أو الخطاب. ولكن دعني أعترف بأنها لم تأخذنا بعيدا لأن الموضوع متشعب ولا يمكن إنصافه في مقال أو مقالين. ليس هناك أي إشكال في أن يتحكم النص "المقدس" أو "المنزّل" في شؤون الناس الذين يرونه هكذا. والنص ولا سيما المقدس منه لا يتبدل تبديلا، ولكن نخطئ عندما نقول إن النص "أيّ نص" ليس وليد زمانه ومكانه وثقافته ولغته. واللغة أم العلوم برمتها مطاوعة تعكس لنا زمانها ومكانها وتكوّن لنا الواقع الاجتماعي للزمان والمكان. والوقع الاجتماعي تؤثر فيه اللغة وهو أيضا يؤثر فيها في حركة جدلية مستمرة دون انقطاع منذ نشوء اللغة وإلى يومنا هذا. ولهذا ترى مجموعة من الناس لها النص ذاته بكلماته وهمزاته وأصواته وحروفه ورفعه وضمه أي حرفيته ولكنها تختلف اختلافا شديدا في تفسيره قد يصل بها إلى الاحتراب ليس لفظا بل قتلا وبطشا. وهذا حدث في الماضي وما زال قائما إلى يومنا هذا لأننا نمد ونمط ونختزل ونحور ونبدل ونشتت ونجتث ونتلاعب في قراءتنا للنص الذي يبقى ثابتا كما هو بينما نحن الذين نتبدل لأننا لا نستطيع مقاومة تأثير الزمان والمكان فينا كبشر مهما كانت قدسية النص الذي لدينا.