مكة أون لاين - السعودية نسمع ونقرأ كثيراً عن تطوير مرفق القضاء، وعن رصد مليارات من أجل ذلك، ولكن ما نراه من تطوير لا يزال أقل بكثير مما نسمع. كنت قد كتبت مقالاً قبل ما يقارب تسع سنوات وبالتحديد في 7 رمضان 1426 نُشر في صحيفة المدينة بعنوان (القضاء والعدالة والتنمية) تحدثت فيه «حول مسألة تراكم القضايا في المحاكم، والنقص في أعداد القضاة» وقلت أن «منطلق الكتابة والتناول هو إيماني العميق بأن الكثير من مشكلات أي مجتمع تنشأ وتتفاقم، أو تزول ويُقضى عليها بناءً على أحوال القضاء في ذلك المجتمع.. فالقضاء هو مقياس أو (تيرومومتر) لقياس حال المجتمع، والنظر إليه يكفي للتعرف على أحوال المجتمع، وهل هو في اتجاه النمو والتطور، أم في اتجاه الإعاقة والتخلف.. والقضاء هو معيار العدل، والعدل هو أساس الملك». وقلت حينها أنه «حتى المحاكم المستعجلة لم تعد كذلك فقد أصبحت مواعيدها متباعدة وقضاياها تدور في ردهاتها لشهور وشهور، ولهذا البطء في التقاضي آثار جد خطيرة، فمن جهة يفقد أصحاب الحقوق الأمل والثقة في إنصافهم، وذلك ليس بسبب عدم القضاء لهم، وإنما لتأخر إصدار الحكم لسنوات وسنوات، ومن جهة أخرى يخلو الجو لأهل الظلم والنصب والاحتيال والعسف فيبيضوا ويصفروا». وأذكر أن أحد رؤساء المحاكم أسر لي وقتها أي قبل نحو عشر سنوات أن معدل القضاة للسكان لدينا كان 3.9 لكل مائة ألف نسمة بينما في الكويت وصل إلى 25 وفي مصر تجاوز 40 والمثالي 50، وهذا يعني أننا نحتاج إلى أكثر من عشرة أضعاف الأعداد الحالية لنصل للمعدل المثالي. وهو ما يُظهر لنا حجم وعمق مشكلة القضاء لدينا وأثره على تحقيق العدالة وعلى حياة الناس، ويُفسر أسباب تراكم القضايا وتأخر الأحكام. والآن وبعد تسع سنوات وبعد مضي سنوات على انطلاق مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء نجد أنفسنا أمام نفس المشاكل، فأعداد القضاة عند مستويات منخفضة لحد مخل بالعدالة والقضايا ما زالت تدور في ردهات المحاكم لآماد طويلة، بما فيها القضايا البسيطة والمُحكَمة. أعرف قضية رفعها مالك ضد مستأجر أخل بشرط من شروط عقد إيجار متفق عليه وموقع من طرفي العقد، والمفترض أن يُحكم في مثل هذه القضايا بشكل مستعجل وفقاً للعقود المحررة –التي هي شريعة المتعاقدين- فهي أشبه ما تكون بقضايا الشيكات التي يُبت فيها في وقت قصير نسبياً، وللأسف مضى عام كامل ولم يتم الحكم فيها وتم تأجيل مواعيد الجلسات في كل مرة لمدد تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر وليس ذلك بسبب الدفوعات وإنما بسبب تغيب المدعى عليه وتغيب القاضي. وقضية أخرى تتعلق بشراكة في عقار وأيضاً بإيجارات متأخرة لا تزال تدور في ردهات المحاكم منذ أكثر من خمس سنوات. حتى أحكام المحكمة الإدارية التي تصدر ضد جهات حكومية لا يتم تنفيذها برغم صدور أوامر ملكية مشددة وعقوبات رادعة لكل مسؤول يمتنع عن تنفيذ أحكام القضاء. إن أي تطوير للقضاء لا يتضمن سرعة إجراءات التقاضي وسرعة صدور الأحكام وسرعة تنفيذها يصبح تطويراً عديم الجدوى. واستمرار بطء إجراءات التقاضي يشجع الفاسدين والنصابين وقليلي المروءة، ويسهم في تمدد ساحات الفساد. والله أعلم. [email protected]