الرأى السعودى -السعودية يقول المثل الشعبي "تبي تحيّره.. خيّره". وفي واقع منظومات العمل الحكومي العكس هو الصحيح "تبي تسيّره.. خيّره"، عطفًا على المسئوليات المزدوجة التي ربطت سابقًا "الزراعة" ب"المياه"و "الإعلام" ب"الثقافة"، وتم تصحيحها بالفصل التام وإعلانها كيانات مستقلة، بينما ما زال تعقد حاليًا "التربية" ب"التعليم" و"السياحة" ب"الآثار"، وهما جهتان -بأربعة أركان- تشكّل طبيعة المجتمع بتماس مباشر معنويًا وحسيًا، إلا إن مخرجاتها لا تلبي احتياجات المواطنين، في ظل إتساع الفجوة بينهما مما دعى الأمور "تسيح" على بعضها. بالتجاوز عمدًا لوزارة التربية والتعليم وقضاياها المتراكمة، حيث تمر بمرحلة تصحيحية مع قائدها الجديد خالد الفيصل. وعلى ذكر الأمور "السايحة"، تلعب هيئة السياحة والأثار ب"كرت" الخيارين لعبة غير مسلية فنيًا، وليست مربحة ماديًا، بمواصلة دعم مشاريع كبيرة بأرقامها وضئيلة بمردودها، كمثل العامل الذي يجلس في الأماكن المغلقة، فقط ليوهم مديره ب"عرقه" أنه منغمس في العمل. هذه المشاريع في الغالب تخص الآثار، وبقدرة قادر تصبح سياحية، مع إيضاح الفارق كون الآثار علم مستقل، يمنحه عمقه التاريخي المتجسد في مواقع أو أدوات تحدت الزمن ووصلت إلينا، لتصبح مهمتنا الحفاظ عليها كمسئولية إنسانية في الدرجة الأولى. في الرياض يتشكى سكان وزوار المدخل الشرقي من انتشار الإبل وملحقاتها من أحواشه، مخلفات، وروائح كريهة، ليتفاجأون بالحل "إطلاق مشروع قرية مخصصة للتراث والإبل والترفيه والحدائق". بغض النظر عن علاقة التراث والإبل بالترفيه والحدائق، ما حدث هو "وفسر الماءَ بعد الجهد بالماء".. نفس المشكلة ولكن بإضافة ماكياج. وفي الأحساء تصل قيمة ماكياج المشاريع التراثية القديمة والجديدة 150 مليون ريال، لإنعاش وسط الهفوف التاريخي ومنطقة قصر محيرس والأسواق التاريخية. جميعنا نردد المثل الذي يقول "اللي ماله أول.. ما له تالي". لكن أن يصبح حاضرنا ومستقبلنا كلاهما "أول" بلا "تالي"، فكيف سنعيش عكس مجريات العصر؟ هيئة السياحة والآثار أجابت على هذا التساؤل ببرنامج سياحي كامل يحمل عنوان "عيش السعودية"، أطلقته أوائل ديسمبر الحالي، بث فيّ الأمل للإنجاز وتعزيز الهوية السعودية بالمعرفة السياحية، خاصة إنه استهدف مليون طالب وطالبة جامعيين، وهذا سينعكس على ....-ما لكم بالطويلة-: برنامج "عيش السعودية" كان هدفه زيارة المواقع التاريخية والأثرية! فاصل غير إعلاني: إنفاق أمانات المناطق خلال العام الماضي بلغ مليار ريال، فقط فيما يخص دعم وتجديد المواقع التاريخية والتراثية بالمملكة.. "من عنده مال محيّره.. يشري حمام وطيّره"، أيضًا مثل بما إن "السياحة" مصرة على الغبار. صدقًا، من تستهدف هيئة السياحة والأثار بهذه المشاريع؟ إذا كان المواطن هو الهدف، فلا أوضح من نتائج "الجنادرية"، الذي يعتبر أكبر مهرجان "ثقافي"، ويدور في حلقة مفرغة كل عام بسبب التكرار، وبزوار متعطشين للتجمهر أكثر من ريادة المكان أو الإحتفاء بنشاطاته. أما إذا كان الهدف هو السائح الأجنبي، فهذا ضربٌ من "الخيال الحلمي"، أو دعابة ثقيلة. يا هيئة السياحة بعد إذن الآثار: من حبس الشعب السعودي في آلة الزمن "المهنقة"؟ متى تصبح حياتنا بالألوان؟ كيف يختفي الجمل من الصورة الذهنية عنا؟ نفسية المواطن أصيبت ب"الربو" بسبب المتنفسات المغبرة ومنتهية الصلاحية -بتكرار الأفكار واستهلاك العرض-.. بالمختصر، كتمة. قبل "انتهى": و غْبار ؟! ناقصني يضيع الدَّرب ، و اتنفَّس حساسيَّة ؟!