الرأي السعودي-السعودية الرهان على مستقبل لن تشارك به بفاعلية ضرب من التعسف القيادي، وهو ما يمارسه جيل "قديم" أوثق رباطه على المناصب المحورية، فتحوَّل مع مرور الزمن إلى قناعة متحجرة، تصطدم يومًا تلو آخر بمتغيرات العصر، ولا تتهشم. عندما تشرع بالحديث عن الشاب السعودي القيادي فهيّئ مسمعك لتكرار جمل معلبة مثل: لا يعتمد عليه، يريد راتب فقط، بلا خبرة، عديم المسئولية...الخ، واللافت أكثر أن من يحاول ترسيخها سواء في المنابر الإعلامية أو المجالس الخاصة قياديون ذوي شهادات عليا وتجارب ثرية. ولا نملك معلومة موثقة ما إذا كانوا يومًا ما شبابًا أم لا! وهل استفاقوا من النوم ووجدوا أنفسهم على كراسيهم بخبراتةوبلا فرصة متاحة؟ وهو ما لم يحدث في الغرب كله مع هدايا "بابا نويل" رغم زيفها. استثناءًا للصوت السياسي والعمق الديني، لا شيء يستفز أصابع العالم للإشارة لك ك"بلد" سوى ما يقدمه شبابك؛ منتخب كرة القدم رفع علم المملكة أربع مرات في أكبر محفل رياضي عالمي "كأس العالم"، الميداليات الأولمبية في ألعاب القوى وغيرها، التأثير الإعلامي الحالي في الوسائل الرسمية وشبكات التواصل الاجتماعي، خاصة في قائمة الخمسين شخصية سعودية الأكثر تأثيرًا في تويتر أغلبيتها من الشباب مثل: فهد البتيري، أحمد الشقيري، أحمد العمران (مراسل صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، فراس بقنة، أبهم، مازن الضراب، منال الشريف، عبدالله جابر، وغيرهم، تنوعت اختصاصاتهم بين إعلاميين، ممثلين، رسامين، ومدونين. وعلى الصعيد الفني يتفنن شباب اليوتيوب في استقطاب أعداد هائلة من المشاهدين، حتى أن حلقة (أبو هيط) من برنامج (لا يكثر) التي كان بطلها نجم الكوميديا الشبابية إبراهيم الخيرالله، إحتلت المرتبة الثالثة عالميا بين الفيديوهات الكوميدية الأنجح على اليوتيوب حسب تقرير ouTube RewindY. وبعد كل هذا فيما تحاول أن تضيف للعزيز القيادي المتحجر معلومة أهم فيما يعنى ببناء المستقبل، أن نسبة سكان المملكة من الشباب (ذكور وإناث) تتجاوز 60%، سيكون ردّه: ولو! أزمة الثقة في فاعلية الشاب السعودي العامل قديمة، حيث يرى الكبار المتقدمون -في العمر- أن هؤلاء الشباب صغار -على المسئولية-، وإن أطلت في محاججتهم قد يأخذك أحدهم "على جنب" ليقنعك "نخليهم يتعلمون فينا؟". دول متحضرة كثيرة سبقتنا بقرون وأخرى بسنوات، لم تطرح هذا السؤال المصيري "يتعلمون فينا؟"، فقبل يومين مثلًا أعلنت النمسا تعيين سبستيان كورتس (27 عاما) وزيراً جديداً للخارجية. نعم في ثقافتنا "بزر"، ودولته أعطته وجه/فرصة، وللتنويه "مافي أحد قال له إحمد ربّك". وكي لا يقال هؤلاء احتاجوا مئات السنين ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، فالإمارات -القريبة- جغرافيا، وتاريخ، وملامح إجتماعية، كسبت مؤخرًا إحترام العالم بتحقيق انتصار تاريخي عبر استضافة أكبر معرض دولي "إكسبو" عام 2020 بملف تحت إشراف وزيرة الدولة الشابة ريم الهاشمي (33 عاما)، والتي حين تم تعيينها كوزيرة عام 2008 كانت بعمر (27 عاما). الأسبوع الماضي، صرح وزير العمل المهندس عادل فقيه بأن بعض الشباب السعودي "غير منضبط"، وطمأننا بأنهم رغم ذلك "لن يرمونهم". لسنا في معرض دفاع أو محاولة تبرئة للشباب من تهمة معالي الوزير، لكن السؤال: هل شباب كل مجتمع آخر -متقدّم أم متأخر- منضبط تمامًا حتى يكون النموذج السعودي شاذًا؟ الإجابة: قطعًا لا، لكن عجلة العمل لا تتوقف عن علاج العيوب وسد الثغرات ودرء العثرات في سبيل تفعيل العاملين في المجتمع، من خلال الثقة المطروحة، الطموح المشروع، التهيئة الفعالة، لتعزيز المستقبل بركائز معترف بها اجتماعيًا وعمليًا يمكنها نقل بلادها إلى بر الأمان وتسليم الراية مجددًا إلى جيل شاب آخر مؤسَّس على ذلك، ويدرك يقينًا أنه "لن يرمى" ولو بفكرة عابرة. نبحث عن الثمار ونحن لا نزرع شيئًا. النموذج الشاب السعودي أثبت جدارته قياديًا خارج حدود المملكة، فعلى سبيل الفخر لا الحصر؛ تقود العالمة غادة المطيري (37 عاما) مركز أبحاث بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، لتمكين استخدام الضوء عوضًا عن العمليات الجراحية، وفي المقابل تنتخب القانون ريم اليوسفي ك"سيناتور" للقانون في جامعة كولومبيا في نيويورك، وتعيينها مؤخرًا عضوًا في مجلس إدارة رابطة طلاب القانون الشرق أوسطيين، مما يثبت ما قاله الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار حول أن عبارة "السعودي لا يحب العمل" ملفقة للمواطن، ويؤكد أن الإيمان بالشيء يحققه. عزيزي المسئول الكبير، دع القيادة للشباب واستمتع بالرحلة، ولا تحرمهم دعمك وتوجيهك. قبل "انتهى": إن لم تؤمن بنفسك، فلا غرابة في أن يكفر بك الآخرين.