اليوم- السعودية تختلف قوانين حقوق النشر من بلد إلى آخر على مستوى التشريعات وملكية الحقوق، وقد أدى ظهور الإنترنت وتراجع عصر الطباعة إلى إرباك تلك القوانين بما في ذلك كسر حق استخدام أقوال الآخرين، الذي كان يُعمل به في بعض الدول. إذ لم يكن لأحد الحق في اقتباس عبارة أو تجميع مقولات لطبعها في كتاب، بدون دفع مبالغ مالية لصاحب الحق، واستئذانه في إعادة نشر أقواله. ومن يتابع المواقع الاجتماعية سيلاحظ بالتأكيد أن الاقتباسات تشكل النسبة الأكبر من المشاركات، وبدون أي ضوابط قانونية أو توثيقية، حيث يمكن تقويل الآخرين ما لا يتبنونه ولم ينادوا به على الإطلاق، وهو إجراء جماهيري لم ينتظر فيه أحد تعديل تلك القوانين التي تجرّم استخدام أقوال الآخرين. وبفضل التكنولوجيا الرقمية تم تحطيم كل العوائق القانونية والأخلاقية والتقنية التي تمنع تدوير الكلام، وتم إسقاط حقوق النشر العنيدة في هذا الصدد.. وهكذا أصبح المنجز الفكري والأدبي للأحياء والأموات من الكتاب ملكية عامة، يمكن استخدامها في سياقات جديدة، لتعطي من المعاني والدلالات ما لم يرغبه كاتبها. كذلك الصور، حيث انفتح الإرشيف العالمي على اتساعه ليُنشر على الملأ بدون أي اعتبار لصاحب الصورة، فيما يعتبر تصعيداً لفكرة انتهاك حقوق النشر، على إيقاع موجة من التباهي بالقدرة على استجلاب ما يثير الدهشة من خصوصيات المشاهير وغير المشاهير، وفي ظل عجز تام للمشرعين عن ضبط ذلك التدفق الإلكتروني. صار بمقدورنا اليوم مشاهدة مسرحية عالمية تعرض على مسرح محلي، بعد إعادة تكييفها أو تزييف وقائعها بمعنى أدق. ولا ينتابنا أي شكل من أشكال المفاجأة عندما نلمح صورة ضخمة لنجم غنائي شهير على واجهة محل لبيع الخردوات. وهكذا يمكن لأي كاتب استخدام لوحة فنان كغلاف لكتابه. بل يمكن أن نقرأ كتاباً كاملاً يقوم على الاقتباسات بإسهاب كبير، مدموغاً باسم مؤلف هو أقرب إلى النهّاب منه إلى الكاتب. لم يعد بمقدور أحد مقاضاة أحد على مثل هذه الأفعال، حتى في الدول التي كانت متشدّدة في تشريع حقوق الملكية الفردية، فالفضاء التعبيري الإلكتروني يتسع ويتمادى إلى الحد الذي لا يمكن السيطرة عليه، وتقنيات القص واللصق والانتحال والسطو على المعنى والمبنى صارت متقدمة جداً. قوانين الملكية الفردية تلك لم تكن على تلك الدرجة من التعسف والصرامة، إنما تم اقرارها لتكفل حق المبدع، ولذلك استثنت في لوائحها مسائل الدراسات والبحوث، إذ سمحت للناقد -مثلاً- بالاستشهاد بالنصوص، كما سمحت للمبدع بفكرة التضمين وللفنان بالكولاج وهكذا، لكنها لم تقر أبداً هذه الفوضى التي تسلب المبدع حقه الأدبي. حتى المراسلات الشخصية التي كانت محمية بموجب قوانين النشر ضمن اعتبارات زمنية، لم تعد على تلك الدرجة من القدسية، فالأسرار تتطاير في فضاء الانترنت، وكل كلمة تُكتب يمكن أن تتحول إلى وثيقة أمام المتصفحين، وهو الأمر الذي يفسر كثرة التسريبات للخطابات والوثائق والأشرطة، إما لقاء مبالغ مادية أو رغبة في التشهير، في الوقت الذي يعجز فيه القانون عن تحجيم ذلك الانفلات. وهكذا صار النشاط الإبداعي الإنساني في العراء، بدون أي حماية قانونية، لأن معظم مستخدمي الإنترنت يريدون الوصول للمعلومة والسطو على الفكرة بأسرع الوسائل، ويتفننون في انتحال الأعمال الفنية بدون أي رادع أخلاقي، بمعنى أنهم يريدون تدمير كل ما تم الإتفاق عليه من حقوق الملكية الفردية، وتحويل المنتج الإبداعي إلى ملكية عامة ومشاعة. كل ذلك الاضطراب في معادلة الحقوق أدى إلى ظهور حركة الحقوق المتروكة، التي تنادي بتعديل قوانين الملكية، ومراجعة ما يسمونه بالبنود المنحازة إلى جانب المبدع، لتتلاءم حركة الإبداع مع متطلبات اللحظة الإلكترونية، بحيث يُسمح بتوسيع هامش حق الاقتباس من أقوال الآخرين وصورهم وسيّرهم ومنتجهم الفني، مع الحفاظ على حقهم الأدبي والمادي، فيما يقف على الطرف الآخر تيار متطرف يدعو إلى تدمير كل قوانين الملكية الفردية، وإعطاء المستخدمين حق توظيف كل ذلك بدون أي اعتبار لا للقوانين ولا للأخلاق انتصاراً لما يسمونه حرية التعبير، في لحظة معولمة لا تحتمل الضبط والرقابة والحذر. [email protected]