عكاظ -السعودية على الرغم من الاستفزاز والاستغراب الشديدين اللذين قد يثيرهما توجيه السؤال السابق للأشخاص الأسوياء ممن يترفعون عن استخدام العنف مع زوجاتهم، إلا أنه يبدو طبيعياً وقد لا يثير أية غرابة لو تم توجيهه للأزواج الذين يتصفون بالشراسة ولا يجيدون لغة الحوار ويدمنون ضرب زوجاتهم في ممارسة اجتماعية دنيئة تتعرض بموجبها الكثير من الزوجات للاضطهاد والتعنيف الذي يصل لحد الإيذاء الجسدي الشديد. هذه الممارسة المعيبة ليست حكراً على الرجل السعودي على الرغم من كثرة خصوصياته التي يستمدها من خصوصية المجتمع الذي نشأ فيه بل هي سلوك ذكوري وحشي؛ عالمي الطابع يتساوى فيه بعض الذكور في أكثر الدول تقدماً مع أقلها أخذاً بأسباب المدنية والتحضر كما يقوم به المتعلمون والجهلة، والأغنياء ومحدودو الدخل، حيث يندر أن يوجد مجتمع في العالم لا توجد فيه ظاهرة ضرب الزوجات إلا أن الفرق يكمن في طريقة تعامل المجتمعات مع مرتكب هذا الفعل المشين. ومازلت أذكر منذ فترة دراستي بالولايات المتحدة تلك الأسرة الأمريكية الصغيرة التي كان انتقالها للسكن بجواري سببا للكثير من الأسى والإزعاج بسبب الشجار شبه اليومي بين الزوجين والذي ينتهي غالباً بوصلة من العنف الجسدي الذي يصبه الزوج على زوجته ليصل صراخها للجار السابع قبل أن تنجح أحياناً في الهروب منه هي وطفلتها الصغيرة. وقد استمر حال الزوجين على ذلك المنوال إلى أن اضطررت أثناء إحدى تلك المعارك لإبلاغ البوليس الذي وصل خلال دقائق وأصطحب الزوج مكبلا بالقيد إلى مركز الشرطة قبل أن تتم محاكمته بعد فترة قصيرة ويصدر بحقه حكم رادع جزاء على الجرم الذي دأب على ارتكابه. ورغم مرور سنوات طويلة على ذلك الموقف إلا أنه بقي محفوراً في ذاكرتي وأستحضره بشكل تلقائي كلما سمعت عن حالات كثيرة مشابهة تحدث في مجتمعنا وتتعرض فيها الزوجات لضرب مبرح ألا أن الفارق كبير جداً بين الأنظمة الصارمة والآلية الواضحة والمقننة التي تصرفت بها الشرطة الأمريكية وكنت شاهداً عليها وبين تصرف بعض الجهات المختصة لدينا مع مثل تلك الحالات سواء أكانت محاكم أو أجهزة أمنية واجتماعية. وفي الكثير من هذه الحوادث غالباً ما ينتهي الأمر بتدخل «أولاد الحلال» داخل قسم الشرطة لإصلاح ذات البين هذا فيما لو وصل الأمر إليها وتحركت للقبض على الزوج المعتدي، وربما أجبرته على التوقيع على إقرار بعدم التعرض للزوجة بالضرب مرة أخرى مع مناصحتها بعدم الإقدام على إغضاب الزوج أو إثارة حفيظته إتقاء لشره!. وبعيداً عن الأسباب التي قد تدفع زوجا لضرب زوجته التي يجمعها معه فراش واحد فإن الفعل بحد ذاته مستقبح ويتنافى مع الخلق الكريم وهو غالبا ما يعتبر دليلا على الرعونة وقلة المروءة وضيق الأفق ولا يمكن أن يقدم عليه شخص سوي لأن الضرب سوف لن يؤدي لتقويم الزوجة بقدر ما سيترتب عليه احتقارها له ونفورها منه وقلب الحياة الزوجية إلى جحيم مستمر، وقد يدفع الطرف المعنف للانتقام بأشكال ومكائد مختلفة قد لا يتوقعها المعتدي هذا فضلا عن الآثار النفسية العميقة للضرب والتي قد لا يكون الزمان قادراً على محو جراحها الغائرة في النفوس. وقد يقول قائل إن ضرب الزوجات هو أمر شرعي منصوص عليه في القرآن الكريم إلا أن مثل هذه الحجة لا ينبغي أن تؤخذ كرخصة تلقائية لتبرير العنف الدموي الذي يمارسه بعض الأزواج على الزوجات لمجرد عدم قدرة الرجل على السيطرة على غضبه على أمر قد يكون تافهاً ولاسيما أن العلماء الشرعيين والمفسرين لديهم أقوال كثيرة تشرح طبيعة الضرب المنصوص عليه وكيفيته والأسباب الداعية إليه فضلا عن أن الحوادث الكثيرة الموثقة عن ضرب الزوجات من واقع أروقة المحاكم وأقسام الشرطة ووسائل الإعلام تتجاوز التأديب إلى التعذيب. ترى هل ينجح نظام الحماية من الإيذاء في توفير الحماية المطلوبة للنساء المعنفات؟ آمل ذلك.