عكاظ -السعودية بعض الذين يروجون بأن الدنيا لا مكان فيها للطيبين، وأنك إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب، وأن إظهار الشر للناس، يمنع اعتيادهم عليك، وتجاوزهم قدرك، والاعتياد عليك، يشبهون الشاعر الجاهلي المعمر ذويد بن نهد، الذي حضرته الوفاة، فقال: ألقى علي الدهر رجلا ويدا والدهر ما أصلح يوما أفسدا يفسد ما أصلحه اليوم غدا فأما وجه الشبه، فهو أن مما يروى عن احتضار هذا الشاعر الغريب، أنه جمع بنيه عند الموت، فأوصاهم وصية، صنفتهم إن امتثلوا لها من شرار الخلق، إذ قال: «أوصيكم بالناس شرا، لا تقبلوا لهم معذرة، ولا تقيلوهم عثرة، أوصيكم بالناس شرا، طعنا وضربا، قصروا الأعنة، أشرعوا الأسنة، وارعوا الكلأ وإن كان على الصفا، وما احتجتم إليه فصونوه، وما استغنيتم عنه فأفسدوه على من سواكم، فإن غش الناس يدعو إلى سوء الظن، وسوء الظن يدعو إلى الاحتراس». كما يروى عن الشاعر (الشراني) أنه قال في وصيته: «يا بني، أوصيكم بالناس شرا، كلموهم نزرا، واطعنوهم شزرا، ولا تقبلوا لهم عذرا، ولا تقيلوهم عثرة، وقصروا الأعنة، واشحذوا الأسنة تأكلوا بذلك القريب، ويرهبكم البعيد، وإياكم والوهن فيطمع فيكم الناس»! قال أبو عبدالله غفر الله له: وسوء الظن بالناس، وتقديم الشر في التعامل معهم، والتعاطي معهم، لا تقيك مكيدة الناس، ولا عثرات الحياة، بقدر ما تورث في النفس حسرات، وتلزم صاحبها القلق السلبي الدائم، فلا يهنأ بعيش، ولا يستطيب حياة، فهو كما واجه غيره بالشر، يتحسب لشر مماثل. وما أجمل ما خطه يراع الإمام ابن حبان في روضة العقلاء، حين اعتبر «الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عمي قلبه وتعب بدنه وتعذر عليه ترك عيوب نفسه».