سمحت الثغرات القانونية والتمييع السياسي والمصالح الذاتية لدول بعينها، لتحويل قضية كيماوي الأسد إلى عملية دافعة إلى المزيد من القتل والتشريد. أصبح المجتمع الدولي يخاطب النظام ويناقشه ويحضر معه المؤتمرات ويدعوه إلى التفاوض والنقاش المفتوح المبني على نوايا لا يعلمها إلا الله. ليستمر الأسد رئيساً ويبقى الوضع على ما هو عليه، ويستمر القتل والتشريد والتهجير، لكن دون اعتراض من أحد. المهم أن نتفاوض على الكيماوي خلال سنة أو سنتين أو خمس سنوات، وليستمر مسلسل تحويل سورية إلى ركام وأهلها إلى ضحايا من كل طوائفهم. تذكرت قدرة النظام في سورية وبوصلته الكبرى في روسيا على تحويل الاهتمام العالمي عن الكيماوي نحو خطر الإسلام والمسلمين إن هم تسلموا السلطة، وما يروجه الكثير من مناصري النظام في سورية من كون سورية هي الحامية للعلمانية والليبرالية والمسيحيين.. وما إلى ذلك من الدعايات والترويج الذي أصبح يُسمع صوته عالياً. أقول: تذكرت ذلك وأنا أقرأ تصريح أحد مسؤولي هيئة الرقابة والتحقيق الذي أكد فيه أن الهيئة لن تبادر باستدعاء أي مسؤول ممن يدور حولهم حديث تزوير الشهادات. أوضح المسؤول أن الاستدعاء سيكون في حالة وصول ما يفيد بذلك من قبل وزارة التعليم العالي باعتبارها المسؤولة عن الملحقيات التعليمية، مبينا أنه في هذه الحالة سيتم التحقيق في القضايا التي تخص الهيئة. المعلوم أن الملحقيات التعليمية التابعة لوزارة التعليم العالي لا علاقة لها بهؤلاء لا من قريب ولا من بعيد. فهي مسؤولة عن المبتعثين الذين يدرسون في جامعات معترف بها من قبل الوزارة ولن تقبل أي مبتعث لا تنطبق عليه هذه المواصفة. كما أن الملحقيات ليست الجهة المسؤولة عن تصديق الشهادات والتي يمكن أن تكتشف الشهادات المضروبة بمجرد تقديمها من قبل طالب التصديق. فطالب التصديق يقدم وثائقه للإدارة العامة لمعادلة الشهادات الجامعية، التي تقوم بدورها إما بتصديق الشهادة أو رفض تصديقها. كلام المسؤول يدل على أنه ليس هناك تنسيق مع الجهة صاحبة العلاقة هنا في المملكة، وهو ما يشبه قضية الكيماوي السوري. مزور الشهادة أو مشتريها سيكون بمأمن من الملاحقة القانونية طالما أنه لم يتوجه إلى الوزارة لتوثيقها. هذا يعني أنه لا شهادات يمكن أن تعادل في المستقبل. أما أولئك الذين حصلوا على الشهادات ووثقوها أو لم يوثقوها قبل اليوم فهم بمأمن، ألم أقل لكم إنه مثل كيماوي سورية، لا تستخدمه بعد اليوم. سيبقى المسؤول في منصبه الذي حصل عليه بالتدليس، وسيستمر في اتخاذ القرارات والتأثير على حياة الناس بناء على كذبة لم تُكتَشف. عندما نعلم العدد الذي يعيش على هذه الكذبة يوميا، سيعرف القارئ الكريم الكم الذي نعانيه بسبب هذه الشهادات المضروبة. يبقى أن نعلم أنه لن يقبض سوى على الأغبياء من هؤلاء، ففي تصريح لهيئة التخصصات الصحية ثبت أن الهيئة كشفت 2500 شهادة مزورة. هذه الشهادات كان حاملوها من الغباء لدرجة أنهم قدموها للهيئة بغرض التصديق، أو أنهم لم يزوروها بالطريقة الصحيحة. أثار التصريح حفيظتي في جزئية أخرى، وهي أنه لم يلمح إلى إمكانية أن تقبل الهيئة الشكاوى أو المعلومات الواردة من جهات غير وزارة التعليم العالي. بمعنى أنه لن يتم التعامل مع القضايا التي سبقت اليوم. فليس بإمكان أي شخص أن يقدم بلاغاً ضد منتحل شخصية طبيب عام أو متخصص في أي مستشفى إلى هيئة الرقابة والتحقيق. حتى وإن تسبب ذلك الشخص في مصيبة، لأن الهيئة لا تقبل إلا من الملحقيات التعليمية خارج المملكة. هذا يعادل المواطنين السوريين الذين ضربهم النظام بالكيماوي، ألم أقل لكم إنهما قضيتان متشابهتان؟! يعلم الجميع حساسية هذا الأمر. لكن هذا لا يمنع من أن نبدأ في التعامل بالصدق وكشف الخداع الذي انتشر، ولا يزال بسبب تغاضي الجهات الرقابية عنه. كما أن تبرع بعض الأشخاص بكشف هوية مرتكبي هذه المخالفة الجسيمة بمبادرات شخصية غير قانونية، سيؤدي غالباً إلى الإضرار بأشخاص قد تكون شهاداتهم صحيحة، لكن هؤلاء يمكن أن يدافعوا عن أنفسهم وينشروا معلومات شهاداتهم. الضرر الأكبر هو أنه سيُكتشف أشخاص محدودون ويبقى أولئك الذين برعوا في التزوير أو لم تنتبه لهم الأعين في مواقعهم، بمعنى أنه يمكن أن نكتشف جزءاً من الكيماوي السوري ويبقى الكثير مخبأً هنا أو هناك داخل أو خارج سورية، بسبب اعتماد الجميع على المعلومات التي يقدمها النظام واجتهادات أشخاص أو جهات متعاونة مع اللجنة الدولية؛ إنها كيماوي بامتياز. يستدعي العدل أن تكلف جهة مختصة سواء خاصة أو عامة - وإن كانت خاصة يكون أفضل - بكشف كل التزوير الذي حدث في البلاد. تعطى هذه الجهة صلاحية الاطلاع على كل معلومات الجهات الحكومية والقضايا المرفوعة والاستماع لكل من لهم علاقة وأصحاب الشكاوى ومراجعة الجامعات التي يحمل هؤلاء شهاداتها والتأكد من كل المعلومات من الأعلى إلى الأسفل، ثم توضع المعلومات بتصرف صاحب القرار ليتخذ ما يراه لحماية المجتمع، ويغلق ملف كيماوي الشهادات المضروبة.