لعل ما نقرأ ونسمع عن سورية لا يحمل أي حقائق عن مفاوضات أو خطط القوى الدولية التي تساوم على شيء آخر، لا نعرفه لكنه ليس حماية الشعب السوري من القتل، وليس إمداده بالمعونات والغذاء بأسلوب جاد، أو تدبير أمر الفارين اللاجئين للجوار من نار الأسد، ما يجري التفاوض عليه، وما يهم القوى الكبرى المعنية بالحال السوري غير كل ما نفكر فيه، أو نتعاطف معه. ما يجري في سورية حالة خاصة لا يمكن مقارنتها بأي حرب أهلية، أو ثورة شعبية، ويمكن أن توصف بأنها حرب النظام من أجل الحرب، لأن هذه الحرب تطيل بقاء هذا النظام حتى إن حصدت الآلاف من الناس دون حساب، كيف يتصور نظام شعبه عدوه الذي يستحق القتل، وأي بلد محروق يريد حكمه هذا النظام العجيب؟ في الداخل السوري تغيّرت فسيفساء الصراع، وتحوّل الميدان إلى حرب استخبارات دولية تتم بسرية بين قوى عظمى، وكما أشرت سابقاً، ما تفعله الاستخبارات الدولية هو غير ما نقرأ أو نسمع من أحداث؛ فسورية معمل دولي كبير للصراع غير المعلن؛ ما حيد الثورة السورية وجعل الواجهة لكلام حول مسلحين وإرهاب وقوى متصارعة لا تتفق فيما بينها، مما بدّد جهود الجيش الحر وفاقم الخلافات بين الساسة من المعارضة. خريطة سورية اليوم فسيفساء مصغرة لخريطة الصراع في العالم العربي بتناقضاته بين فرق التطرف وفرق الاعتدال، وشعوب تذبح دون أن تستفيد من موتها، ولا تدري كيف تحولت بلادها لميدان حروب مرتزقة، وشذاذ آفاق تجمعوا فاختلط الحابل بالنابل، فلم يعد أحد يعرف من يحارب، ولا من يحاربه، هذا التشكل من التناقضات المخيفة هو ما يمكن أن يطلق عليه الحالة المستحيلة، حيث يلتف رأس المشكلات على ذيلها، وتحدث الأشياء دون مسبّبات. سورية الصورة المختزلة لما تعيشه بلاد العرب منذ عقود اختلط فيها الحابل بالنابل وصار صعباً على القوى الدولية تحديد مَن تدعم ومَن تمنع عنه الدعم في هذا الخليط من التناقضات، وصار صعباً على العرب فهم تفاصيل الصورة فتوقف العقل عن التفكير بأي خيارات للحلول في هذه الصورة الملتبسة بين الناس والأحداث. هذه نتيجة استبداد طويل فقد الناس فيه أرزاقهم ومواردهم لسطوة السلطة والظلم والفساد والمتنفذين، وأفسدت ثقافة المجتمع وقيمه ليفقد دليله من العمل المتسم بالصدق والضمير.