تطوّرات المنظومة العدوانية الاستباحية الأكثر خبثًا ودهاءً في كوكب الأرض في عام 1347 تسلّلت بعض الفئران الصينية إلى ثلاث سفن إيطالية كانت راسية في الصين، وحين عادت السفن إلى ميناء (مسينا) الإيطالي خرجت الفئران من مخابئها، وتوجهت إلى المدينة، فنشرت فيها الطاعون، ثمَّ نشرته في إيطاليا كلّّها، وكان الطاعون قد قضى وقتذاك على نصف سكان الصين، فقتل بعد ذلك ثلث سكان أوروبا في غضون بضعة أعوام، أما اليوم فقد تسلّلت فيروسات (السايبر Cyber) عبر شبكات الإنترنت ووصلت إلى ثكناتنا ومخادعنا ومضاجعنا ومواقعنا السرية، من دون أن ينتبه الناس إلى خطورة هذه المخالب الخبيثة التي ستنشر الدمار وتبث الخراب لتعيد مجد الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة بصيغة رقمية تقتل نصف سكان آسيا وإفريقيا صرنا في عصر الديجتال على بعد بضعة حلقات تآمرية من تطبيقات أحدث الأسلحة الشيطانية المزمع الاستعانة بها في تنفيذ مخططات الاستعباد الشامل، فالسلاح الرقمي الجديد يجري التدريب عليه الآن في الأوكار السرية التابعة للقوى الاستعلائية الشريرة، وربما سيمنحها التفوق الكامل في فرض هيمنتها على البلدان الضعيفة، ويجعلها قادرة على نسفها تمامًا من دون حاجة للخطط التعبوية التقليدية، ولن تكون مضطرة بعد الآن لخوض المواجهات العسكرية، أو الدخول في صراع حربي مباشر في المحاور القتالية البريَّة والبحريَّة والجويَّة، ولن تكون بحاجة للدبابات والفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات والصواريخ البعيدة المدى، ولن تكون مضطرة بعد الآن إلى التلويح بقرارات مجلس الأمن لتهديد الدول الخارجة عن إرادتها، ولن تكون مضطرة إلى تجنيد طابورها الخامس، أو تفعيل فصلها السابع، فالسلاح الجديد يضمن لها الغلبة، ويحقِّق لها أغراضها من مسافات بعيدة، وقد يحسم النزاع في ثوانٍ معدودات من دون أن يتسبب بأي ضرر للموارد البشرية أو الزراعيَّة أو الصناعيَّة في الدَّوْلة (الخصم)، ومن دون أن يصيب منشآتها الحيويَّة بأي عطب أو تلف، كل ما في الأمر أن الدَّوْلة (الخصم) ستجد نفسها في صباح اليوم التالي عبارة عن (صفر) على الشمال في الحسابات الماليَّة والتشغيليَّة والتسويقيَّة والمعيشيَّة، وسيستيقظ الناس في اليوم التالي ليجدوا أنفسهم بلا أرصدة، أو بنوك، أو مصارف، ويكتشفوا أنهَّم غير قادرين على استعمال هواتفهم المحمولة، ويتعذر عليهم تسلّم ترددات البث التلفزيوني للمحطات الفضائية، وتتوقف المعاملات الحكوميَّة بكافة أشكالها، وتصاب المؤسسات الحيويَّة بالشلّل التام، وتتعثر أعمال المنظومات الملاحية والرادارية، بسبب التوقف المفاجئ الذي سيصيب المنظومات الإلكترونية العاملة في البلاد، بغض النظر عن حجمها ووظيفتها وموقعها وأهميتها، فالعطب الإلكتروني الامل هو الضرّر المشترك الأعظم في الحرب الإلكترونية الرقمية المعلنة من طرف واحد ضد الأقطار الضعيفة، وسيضمن لها السلاح الجديد توسيع دائرة التدمير الشامل بنفقات بسيطة لا تكلفها سوى بضعة دولارات تمهد لها الطريق لتحقيق رغباتها الشيطانية على نطاق واسع.