في مواسم الحج المتتالية، تستنفر المملكة كل طاقاتها، وتبذل جل مجهوداتها، لتقوم بخدمة ضيوف الرحمن على الوجه الأقرب للكمال، مستفيدة مما حباها الله من شتى الموارد، سواء المادية أو البشرية، وتتسابق الجهات المختلفة على تقديم ما هو أفضل مدفوعة بما ترجوه عند الله، وما يستلزمه الواجب الوظيفي والإنساني، وما جبل عليه أبناء هذه البلاد من حب فعل الخير بصدر رحب وتلقائي. إن موسم الحج يعني، تضافر جهود جهات مختلفة في مكان واحد، وفي فترة زمنية محددة، فلا تكاد جهة من الجهات تخلو من واجب تقدمه للحجيج، فالأمن، والصحة، والمواصلات، والاتصالات، والمرور، جميعها أجهزة مستنفرة لخدمة الحجيج، أضف إلي ذلك صوامع الغلال التي تمتد بي الذاكرة لعقد ونصف من الزمن، لأتذكر كيف يكون الاستعداد قبل الموسم بأشهر سابقة ليتم ضمان توفير كمية كافية من الدقيق في المشاعر، وكيف أن قوافل الناقلات تتجه من كل جهة من جهات المملكة إلى صوامع جدة ليتم التخزين هناك استعداداً لخدمة ضيوف الرحمن، وأذكر وزارة التجارة ودورها في مراقبة الأسعار والسعي في توفير ما يحتاج الحجيج من مواد غذائية وغيرها مما يتطلبه القادمون إلى المشاعر المقدسة. وهذا الموسم يعتبر موسماً استثنائيا بسبب ذلك التطوير الكبير الذي يشهده الحرم الشريف والمسجد الحرام لا سيما المطاف، مما يتطلب تعاوناً من الجميع بما يحقق المأمول، وإن كان هذا الموسم استثنائياً فإن الجهود أيضاً كانت استثنائية من حيث التنظيم والترتيب وغيرها من متطلبات الخدمة الواجب تقديمها. وزارة الخارجية جزء من تلك المنظومة البديعة الحريصة على تقديم ما هو أفضل للضيوف الكرام، ولأن الحال استثنائية للسبب المذكور آنفاً، فقد اتخذت خطوات استثنائية ضاعفت من جهودها ومسؤولياتها، فقد تم تخفيض عدد الحجاج من الداخل بمقدار خمسين في المائة، كما تم خفض عدد الحجاج من الخارج بنسبة عشرين في المائة، وقد يرى البعض أن في ذلك التخفيض الخارجي وهو ما تتعامل معه وزارة الخارجية أمراً سهلاً، إلاّ أن الحقيقة غير ذلك، فهناك أكثر من مليار ونصف من المسلمين في شتى أنحاء العالم، تطمح نسبة منهم في نيل شرف الحصول على تأشيرة الدخول للقيام بأحد أركان الإسلام الخمسة، وربما أن الأغلب ينسى أو يتناسى أن ذلك الركن يمكن إتمامه من استطاع إليه سبيلاً، وهذه الاستطاعة تتجاوز النواحي المادية، إلى الصحة، والحصة المقررة لكل دولة، وأن من لم يحظ بحظه من الحصة طبقاً للأساليب المتبعة في كل بلد، قد نال بإذن الله ثواب نيته، وليس عليه حرج إن شاء الله إذا لم يتمكن من إتمام ذلك الركن. جهود جبارة تبذلها وزارة الخارجية، تبدأ بفترة طويلة قبل موسم الحج، وذلك بالتنسيق مع الجهات الحكومية في الداخل مثل وزارة الداخلية، ووزارة الحج، ثم تستخدم الكياسة، والدبلوماسية في شرح هذا الموسم الاستثنائي الذي أضحى استثنائيا لخدمة الحجيج في السنوات القادمة، فبعد أن كانت القدرة الاستيعابية للطواف نحو ثمانية وأربعين ألفاً من الطائفين بالبيت العتيق أصبح العدد الممكن لهذا الموسم الاستثنائي نحو اثنين وعشرين ألف طائف فقط، وبعد الانتهاء من التوسعة ستكون القدرة أكثر من مائة وثمانية آلاف طائف في الساعة، وهذا كله لخدمة الضيوف الكرام. إن الجهود الجبارة التي تبذلها وزارة الخارجية لاقتناع المسؤولين في الدول الإسلامية الشقيقة عبر التواصل المباشر ومواطني الدول الأخرى عبر وسائل الإعلام دلالة كبيرة على المساهمة الكبيرة التي تقدمها وزارة الخارجية لجميع الحجيج. لا شك أن تخفيض العدد دفع بالكثير من مواطني الدول الإسلامية الشقيقة إلى التماس العون هنا وهناك، مما سبب ضغطاً هائلاً على سفارات المملكة في الخارج وجعلها تعمل بصورة استثنائية، في مجال العمل والإقناع، وقبل ذلك كله مضاعفة الصبر، والحلم، واللطف في الحديث، والله وحده الذي يعلم مقدار المجهود النفسي الذي يبذله موظفو وزارة الخارجية في الداخل والخارج لإقناع أصحاب الحاجة لأنفسهم فهم مدفوعون من آخرين أقرباء لهم أو أصدقاء لا يستطيعون ردهم فيكون الإلحاح كبيراً ، مما يتطلب مزيداً من الصبر والأناة، ومعالجة الأمر بشيء من الحكمة، فإن الذي لا يدرك جله، لا يترك كله، فنشكر الجميع على جهودهم راجين من العليم القدير أن يتم هذا الموسم على أكمل وجه، كما كان في المواسم الماضية.