يقول ياكوبسون وهو أعظم عالم ألسني في القرن العشرين أنّ فقه اللغة يمكن أن يلخص في جملة واحدة وهي «أن تفهم ما يقال» ولكن كيف نفهم ما يقال، إنّ القواميس لا تفيدنا كثيراً في هذا الصدد، بل يجب كما كتبت غير مرة أن نستعين بالقياس والمساق ومقابلة النصوص بالنصوص، وهذه الأخيرة تعلمناها من الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث أنه لما نزلت هذه الآية «الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم...» شقّ ذلك على الناس، وقالوا أينا لا يظلم نفسه، فقال لهم «إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا قول العبد الصالح: يابنيّ لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم» أي أنّ المقصود هو الشرك، وهنا فسر النص بالنص، وفي القرآن آيات أشكلت على الناس ولا نفهمها إلا إذا رجعنا إلى نصوص في القرآن الكريم نفسه، ومن قبيل ذلك هذه الآية: «ومن آياته الجواري في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره..» سيقول قائل إنها يمكن أن تسير بقوة البخار ولا تحتاج إلى الرياح، ونجيبه بأن المقصود ليس المعنى القاموسي للرياح بل المقصود هو القوة سواء كانت قوة الرياح أو أي قوة أخرى، وهناك نص قرآني يدل على ذلك: «ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم» أي قوتكم. ومن هذا القبيل أيضا «ويعلم ما في الأرحام» وهو علم اختصّ الله به نفسه، وسيقول قائل إنّ الأطباء أصبحوا يعرفون جنس الطفل الذي يولد، وهل هو ذكر أم أنثى، ونجيبه: هل ما في الأرحام يقتصر على معرفة جنس المولود الذي يتشكل من النطفة؟ أم أنّ في النطفة معارف وأسرار لا يعلمها إلاّ الله كالقدر وهل مصير النطفة الشقاء أم السعادة، إنّ الله لا يعلم قدرها فحسب بل يكتبه لها، وفي القرآن نص على ذلك «من نطفة إذا تمنى» أي يقدر لها قدرها والمنية هي القدر والشاعر الهذلي الذي لا أذكر اسمه الآن يقول واسلك سبيلك غير محتشم حتى تلاقي ما يمني لك الماني أي القدر..