إن أي مراجعة لقراءات التقلبات المناخية لقناة الجزيرة الفضائية تقودنا إلى قناعات حتمية لا مفر منها، وتؤكد بما لا يقبل الشك والتأويل أن هذه القناة غاشمة بدرجة عالية، لأنها تكتب سيناريوهات البرامج والأخبار السياسية الرمادية الباهتة في الدهاليز المعتمة وتوزع أدوارها وتخرجها بشكل مقيت وساخر، ثم تعرضها علينا في الهواء الفاسد وفق سيناريوهات مرة لها طعم العلقم، بعد أن تزج ببعض الكومبارس المنتهية صلاحيتهم، وتدخلهم عنوة إلى خيمة السيرك السياسي، ثم تسدل الستارة على الفصول الختامية من النصوص البالية، لتفتح صفحات جديدة في شاشات العرض التراجيدي بأساليب مستحدثة تفوح منها رائحة الكذب والبهتان والتملق، وإلا بما تفسرون الوقائع المتقلبة، والمواقف المتأرجحة، لهذه القناة الفضائية ؟ لقد فتحت هذه القناة المجال والفضاء لجمل الكذب، ونصوص البهت، حتى أنها مكنت يرقات الهراء من النمو والتكاثر والانتشار، ووفرت لها الأجواء الملائمة للتمدد والانتفاخ والتحليق، وجعلت لها أزياء ونياشين وبدل، وفق تناقض إستراتيجي في التوجه والإقدام والرؤية والتطلع، ولم يمر علينا يوم إلا وكانت هذه القناة تندب حال الأمة الضائع، وتبكي على ما آلت إليه أحوالها، وهي التي وبالتعاون مع زبانيتها توفر الوقود الذي به تشعل فتل الحرائق وتزيد اللهب. لقد بانت هذه القناة على حقيقتها، وكشفت عن عورة أهدافها، وخطورة تطلعها، عندما تناقضت مع شعاراتها على مسارح الكوميديا الواقعية، لقد كانت هذه القناة من أشد المتذبذبين في سياساتها وبرامجها المتخبطة، فوفرت الأجواء البيئية الملائمة لظهور المافيات الهادمة والعقليات الخاملة والبكتيريا القاتلة، من كل الأطياف والألوان والفئات، وسمحت لها ببث سمومها، بعد أن فتحت لها نوافذ البطش والإجرام على مصاريعها، وغدت تنشر البهتان في كل مكان، إن الأجواء الرعناء التي صنعتها هذه القناة الرمادية، قد اتضحت معالمها في مراجل الفوضى التي ما انفكت تغلي بالمشاكل المستعصية والأزمات الخانقة، على يد القوى الفوضوية المنفلتة، ولن يهدأ لهذه القناة العبثية بال حتى تعبث باستقرار الأوضاع العربية كلها، وتقلبها رأسا على عقب، وتبعثرها وتمزقها، تمهيدا لرسم الحدود الفاصلة بين الأوصال المتقطعة على الأسس التي تريد تصميمها، فالغليان الفوضوي، والهيجان الكلامي، والانفعالات العقلي المتجدد، هي القواسم المشتركة العظمى لكل الإستراتيجيات التي تخطط له هذه القناة الرمادية، ولا فرق عند هذه القناة بين عاصمة عربية وأخرى، فالكل تريد أن يشمله الطوفان والغرق، والكل عندها سواء في نصوص السيناريوهات المرتقبة، مع الأخذ بنظر الاعتبار الإبقاء على المصالح الذاتية والصديقة الدافعة من الحمم البركانية، أن الحلبات عند هذه القناة ستبقى مفتوحة لخوض جميع النزاعات الطائفية والعرقية والعشائرية والفئوية. وعليه فإن قناة الجزيرة تريد أن تأخذنا نحو المجهول البائس الغامض، لتهبط بنا في وديان وسهول المستقبل الأسود المكفهر.