أخيراً اعتمد مجلس الوزراء لائحة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم التي تتضمن «23 مادة»، تهدف إلى تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل في الخدمة المنزلية، وتتناول حقوق والتزامات طرفي العلاقة، بحيث تحدد لكل طرف حقوقه وواجباته، تأتي هذه الخطوة المهمة التي تمس شريحة كبرى في المملكة، يبلغ تقديرها قرابة مليون ونصف المليون بعد أخذ ورد، ومطالبات عدة ومختلفة استغرقت أعواماً وأعواماً، كانت بدايتها في العام 2006، حينما ذكرت مصادر صحافية أن وزارة العمل في عهد الدكتور غازي القصيبي أعلنت عن قرب الانتهاء من مشروع لائحة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، وذلك بالتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة، وتم عرض ومناقشة اللائحة في 2009 على مجلس الشورى للتصويت على المواد التي تضمنتها، وقد أشار المجلس آنذاك إلى ضرورة حذف إحدى أهم النقاط فيها، وهي المتعلقة بوقت الراحة المستحق للعاملة المنزلية، التي نصت على أنه لا يجوز تشغيل عامل الخدمة المنزلية خلال المدة ما بين ال10 مساءً والخامسة فجراً واستبدالها بتسع ساعات فقط للراحة، وبرر المجلس حذفه لها كونها تتعارض مع عادات وتقاليد المجتمع السعودي، وكأن الحقوق الإنسانية يتم تفصيلها وفقاً لعادات المجتمع وتقاليده! اعترض بعض أعضاء المجلس حينها أيضاً على بعض بنودها كتحديد ساعات العمل للعمالة المنزلية، وإجبار صاحب العمل على منحهم إجازة أسبوعية وغير ذلك، فكانت اللائحة بذلك الوضع بحاجة ماسة إلى إعادة النظر والتعديل فيها مجدداً من أصحاب القرار، وهو الأمر الذي دعت إليه الكثير من المنظمات الحقوقية، وبعد دراسة دامت أكثر من خمسة أعوام في المجلس تم اعتماد اللائحة وإقرارها من مجلس الوزراء، وقد أوضحت مصادر في وزارة العمل أن اللائحة ستطبق خلال 60 يوماً منذ إقرارها، وتضمنت اللائحة بنوداً من أبرزها حق العامل الذي يشمل العاملة والسائق والحارس ومن في حكمهم بالتمتع براحة يومية لا تقل عن تسع ساعات يومياً، ويوم أسبوعي كإجازة بحسب ما يتفق عليه الطرفان، وعدم تكليف العمالة في الخدمة المنزلية بعمل غير المتفق عليه في العقد، أو بعمل فيه خطر يهدد صحته، أو يمس كرامته أو بالعمل لدى الغير، وأن يدفع له الأجر المتفق عليه نهاية كل شهر من دون تأخير مع توثيق استلامه له بشكل كتابي، وعلى صاحب العمل أن يوفر للعامل أو العاملة المنزلية السكن المناسب، إضافة إلى أحقية العامل بإجازة مرضية مدفوعة الأجر بموجب تقرير طبي في حال المرض، وإجازة شهر مدفوعة الراتب بعد انقضاء سنتي عمل، وتحديد عقوبات وغرامات على صاحب العمل المُخالف للائحة أو العامل المُخالف لها، مع تحفظ وزارة العمل وتأكيدها أن الإجازة الأسبوعية المضمنة في اللائحة ليست للخروج من المنزل إنما للبقاء من دون العمل، في وقت سبق أن طالبت بعض وزارات العمل في الدول الموردة للعمالة المنزلية للمملكة في مفاوضاتها لعودة العمالة إليها في فترة ماضية الالتزام ببنود منظمة العمل الدولية على الدول الأعضاء، ومنها المملكة في حزيران (يونيو) الماضي، التي كان منها، احتفاظ العمالة المنزلية «سائق أو عاملة» بوثائق سفرهم، وإعطاؤهم الحرية في التمتع بفترات راحتهم الأسبوعية خارج المنزل. لكن التساؤل المهم بعد إقرار هذه اللائحة هو عن سبل وآاليات تفعيل البنود التي تضمنتها، وضمان سريانها وتطبيقها على الجميع من غير استثناء، وتوعية طرفي العلاقة كل بما له وما عليه من حقوق وواجبات وعقوبات في حال مخالفة بنود اللائحة، ولعل الأمر يكون أكثر إلحاحاً في توعية وتثقيف العمالة على اختلاف جنسياتها ولغاتها بحقوقهم وواجباتهم عبر مختلف الوسائل والطرق، وتأمين وتسهيل إجراءات سبل التبليغ بما يقع عليهم من انتهاكات وتجاوزات لكرامتهم، أو حرمان لحقوقهم في الإجازة الأسبوعية، أو ساعات العمل، أو تهيئة السكن المناسب عبر رقم موحد مثلاً يمكن التواصل معه بكل يسر وسهولة، وكذلك تسهيل سبل الإسهام من المواطنين في التبليغ عن أي تجاوزات أو مخالفات، وثمة قضية أخرى لا تقل أهمية وهي ضرورة العمل تربوياً وثقافياً على تصحيح المفاهيم المتعلقة بالعلاقة القائمة بين الطرفين وإشاعة المفهوم الصحيح لقيمة العمل ابتداءً بالنظرية الدونية السائدة في مجتمعاتنا لطبيعة عمل العاملة المنزلية، التي تؤدي في كثير من الأحوال إلى أن ينظر رب العمل للعلاقة التي تربط بين الطرفين بأنها علاقة السيد بالعبد والمالك بالملوك الذي له حق التصرف كيفما يشاء في ما يملك في وضع من غير المبالغ وصفه بأنه الوجه العصري الحديث للسخرة والعبودية في وقت نتفاخر فيه كمسلمين بأننا أصحاب عقيدة حررت الإنسان من عبوديته وساوت بين جميع البشر، ومثل هذه النظرة تلعب دوراً خطراً في مدى اعترافنا بكرامة وحقوق تلك العمالة كإنسان له كامل الحقوق على أرض الواقع بغض النظر عن طبيعة عمله أو عرقه أو لونه.