سليمان محمد المنديل - الجزيرة السعودية اعتباراً من منتصف عقد السبعينات الميلادي، وبداية الطفرة التي تكونت من صرف حكومي موسّع لمشاريع البنية التحتية، زائداً انتعاش العقار، فقد انتقلت شريحة أصحاب الملايين، الموجودين في ذلك الوقت، إلى فئة أصحاب البلايين. وقبل الحديث عن صفات تلك الفئة، ورواية بعض قصصهم، لا بد من التوضيح، بأن جميع الجهات التي تهتم بتصنيف أثرياء العالم (مثل مجلة فوربس)، فهم يستبعدون أعضاء العوائل الحاكمة، لأنه يصعب معرفة ثرواتهم، أو حتى وضع تقديرات لها. يمتاز الجيل الأول من أصحاب البلايين في المملكة، بأنه جيل عصامي، لم يرث ثروة، بل أغلبهم جاء من بيئات فقيرة، وكثير منهم عاش يتيماً، وكان تحصيلهم العلمي لا يتعدى الكتاتيب، ولتقريب الصورة حول أولئك العصاميين، فسأذكر بعضهم (مع حفظ الألقاب)، سليمان العليان، سالم بن محفوظ، صالح، وسليمان الراجحي، ومحمد بن لادن، وسأروي لاحقاً بعض قصصهم، ولكن:- يعاب على كثير منهم أنهم تأخروا في تحضير الجيل التالي، وأصروا على الاستمرار في اتخاذ القرارات، حتى مراحل متأخرة من حياتهم، وهو ما سنرى أثره على الجيل التالي. أيضاً يعاب على بعضهم، بأن تبرعاتهم، ومساهماتهم الخيرية، هي في الغالب تقليدية (بناء مساجد، دعم مدارس تحفيظ قرآن، تبرعات نقدية... إلخ)، وهي أعمال خير، ولكن كان المطلوب التوسع والإبداع، لتغطية جوانب أخرى، مثلما يفعل اليوم (باب رزق جميل)!! وهنا سأكون ناقداً للحظة، وأقول بأنني شاهدت صور جامع يضاهي جماله أجمل الجوامع، وقد موله محسن سعودي في إفريقيا، وكل ما حواليه هي مدينة صفيح، ويعاني السكان من مرض عمى النهر، الذي تسببه المياه الملوثة، والسؤال، ألم يكن بإمكان ذلك المحسن، بناء جامع يتلائم مع الوضع المحلي، ويخصص باقي المبلغ لمكافحة مرض العمى؟؟ الآن سأروي بعض القصص التي عرفتها، إما مباشرة من بعض أولئك العصاميين، أو تواترت أخبارها، وفي حالات نادرة سجلوا تاريخهم (سليمان العليان، وسليمان الراجحي):- - أحد أولئك الأثرياء العصاميين، عمل في صغره حمّالاً في السوق، وكل ما يملكه هو زنبيل من خوص، وعندما حمل كبدة، وسال الدم على ثيابه، عرض صاحب الكبدة عليه غسل ثيابه، أو إعطائه ضعف المبلغ (وهنا نتحدث عن هللات)، ولكن بليونير المستقبل فضّل الأجر المضاعف، وغسل ثيابه في حوض الوضوء الملاصق للمسجد، رغم أن ذلك كان في عز الشتاء!! - بليونير آخر (من أصول حضرمية) سُئل لماذا لا نجد لك صوراً في الجرائد، بالرغم من أهمية دورك الاقتصادي؟ وكان جوابه أن والده في حضرموت علمه مقولة «قع نملة تأكل سكر» والمعنى هو أن النملة لا تبحث عن الأضواء، وتبقى قريبة من الأرض، مما يتيح لها التقاط حبات السكر. - بليونير آخر، وبعد أن أصبح بليونيراً، كان يتعشى مع ابنه الوحيد، وآخرين في لندن، وعندما انتهى العشاء، لاحظ الأب أن الابن ترك نصف صحنه، دون أن يأكله، عندها لم يتورع الأب من توبيخ الابن أمام ضيوفه، بأن عليه أن ينهي صحنه، أو أن يطلب كمية أقل!! - بليونير آخر يروي بداياته، عندما خرج فقيراً من نجد، يبحث عن عمل، وذهب إلى أقارب له، يعملون في أرامكو، وهم مجرد عمال يسكنون في خيام منصوبة على رمال الظهران، وعندما حملوا وجبة الكبسة الوحيدة، من خيمة المطبخ إلى خيمة الجلوس، تعثّر الحاملون، وسقطت الكبسة على الرمل، ولم يكن أمامهم إلا أن يجلسوا حول الكبسة، ويأكلوا ما يستطيعون أكله، وبعضه مختلط بالرمل. ويقول ذلك البليونير، بأنه لاحقاً أكل في أفخم مطاعم العالم، ولكن لاشيء ساوى طعم تلك الكبسة المخلوطة بالرمل!! بالمقابل هناك أمثلة لا نفتخر بها، وسأذكر مثالين لذلك:- - أحدهما مواطن من أصل عربي، نجح في الحصول على جواز سفر سعودي، وعندما اكتشفت السلطات البريطانية أنه لم يسدد ضرائب مستحقة، تفاوض معها على دفع تبرع لإحدى الجامعات البريطانية، قدره 250 مليون ريال، وكلما ورد اسمه في الصحافة البريطانية، قيل «الثري السعودي»!! وهو لا يملك حتى مسكنا في المملكة. - حالة أخرى لسعودي أوهم العالم بأنه أغنى رجل في العالم، وكان يقيم الحفلات في أوروبا، ويملك أكبر يخت، وأفخم طائرة، ويدّعي أنه يستطيع ترتيب أي صفقة في السعودية. وعندما انكشف أمره، وفقد تلك الهالة، باع اليخت، والطائرة. وهو اليوم في حال، تحل عليه الصدقة (اللهم لا شماتة). أخيراً ماذا يحدث لتلك الإمبراطوريات، بعد وفاة الجيل العصامي الأول، المؤسس؟ أو بمعنى آخر، كيف هو الجيل التالي من البليونيرات؟! الجيل التالي ولد وفي فمه ملاعق ذهب، وربما أن الجيل المؤسس غيّبهم طويلاً، بحيث إن كثيراً منهم، عندما تولوا العمل، لم يكونوا، مهيئين بالقدر الكافي، لذلك نجد أن مدى نجاح أي منهم هو مرتبط بمدى وجود جهاز مساند، جيد، ومخلص. ولذلك فإنه في أغلب الحالا ت، فالجيل الثاني ليس بمستوى الجيل الأول، وربما حان الوقت للجيل الثاني، أن يترك إدارة إمبراطورياته إلى مدراء مختصين، وأن يفصلوا الملكية عن الإدارة، وهو مطلب ضروري لاستمرار تلك الكيانات الاقتصادية. قد يسأل أحد ما، لماذا تتحدث عن هذه الطبقة المتميزة، والمرفهة، وليس عن باقي طبقات المجتمع، التي تصارع لتأمين مسكن، وفرصة زواج... إلخ؟ وجوابي، هو أن هذه الطبقة هي من يقود الاقتصاد الوطني، بجانب ما تقوم به الحكومة من مشاريع، وصرف... إلخ، ولذلك، التعرف عليها، وما يحركها، وما يؤثر فيها، يقود إلى فهم أفضل، وربما إلى إعادة هيكلة أفضل، لكل الأطراف.