يقبع العالم العربي في مؤخرة دول العالم من ناحية المساهمة الحضارية والتأثير في عالم اليوم. يمكن أن نعتبر هذه الفترة أسوأ مرحلة يعيشها هذا الوطن الكبير الذي كان الجميع يفخر بالانتماء إليه، ثم تحولوا إلى إدعاء الانتساب لأجناس أخرى يشبهوننا في الشكل لكنهم لم يقترفوا ما يجعلهم في قائمة من يبتعد عنهم الناس، أو يخشون التعامل معهم. يستمر هذا التدهور لأسباب أهمها الابتعاد عن قوانين التطور والحضارة والتي تؤدي في النهاية إلى تكوين منظومات تعمل بشكل صحيح لتحقيق أهداف واقعية. بعدنا عن واقع الحياة اليوم تجسده توجهات الناس للانتماء لمجموعات ومكونات لا تبنى على العمل والإنتاج. الانتماء للقبيلة والفئة والمذهب والمنطقة والمدينة على حساب المنظومات الأكثر أهمية صفة تلازم المجتمعات العربية، وتجسد تشرذم الناس وتقوقع الكثير منهم بسبب عدم تمكنهم من فهم التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي يستدعي الانفتاح على الآخر. ساهم في هذه السلوكيات ما تبناه الكثير من الرموز الذين أثروا في مجتمعاتنا منذ انعتاق الدول العربية من ذل الاستعمار، إلى تشرذم صنعه سايكس بيكو. لم يكن هناك ما يجمع المواطنين في الوطن الواحد سوى أنهم وجدوا أنفسهم فيه بعد أن كانوا جزءاً من أمة حكمت العالم من أطرافه تنتمي لدين جامع وملة واحدة. أصبح العرب يبحثون عمن يمثل هويتهم الجديدة فانطلقوا نحو أشخاص بعينهم ليكونوا رمز المرحلة الجديدة. أوجد تاريخ الأمة الجديد أسماء ينتمي لها الناس كعبد الناصر وبو مدين وقاسم وحافظ ومعمر وصدام ليصبحوا الجاذب الجديد لمكونات المجتمع المهزوم. سقط السياسيون بفشلهم في انتشال الأمة، فتوجه الناس نحو غيرهم، فظهر علماء شرعيون و انتمى إليهم الكثير من أبناء يعرب، وأصبحوا يضعون عليهم هالات تمنع أن يناقشهم أو يختلف معهم أحد. إن القناعة التي تجذرت نتيجة الجهل بالعلوم الشرعية والتزوير المستمر للتاريخ، حولت العرب إلى أعداء مذهبيين بعد أن عاشوا قروناً بين بعضهم رغم الاختلاف بل ويحب بعضهم بعضاً، لأنهم يعلمون أن الاختلاف سمة تدل على التفكير والمراجعة وتباين المعارف والمراجع. أفسد الحكام بعض العلماء بالعطايا و المزايا والخدمات والمناصب، فقالوا بما يقول الحاكم في دول كان رؤساؤها يدعون الديمقراطية والعلمانية، ولا أنسى أن بعضهم أجاز لرئيسه أن يقيم حفل غداء بمناسبة عيد ميلاده في يوم رمضان. بل إن الكثير من المسؤولين في بعض الدول العربية كانوا ينفون للناس أنهم يصومون، بل ولا يذهبون إلى المساجد خوفاً من أن يفقدوا مناصبهم، ورغم ذلك تجد الرئيس يرحب بالأئمة ويلجأ إليهم لتبرير ما يلحقه بالناس من أذى. وقف الناس من هذه المعادلة المعكوسة موقف المتفرج، إلى أن ظهر بين ظهرانينا من يقول ""لا"". لكن صرخة هؤلاء كانت صاخبة، استخدموا السلاح والقنابل والتفجير للاعتراض على فساد الحكام الذين لم يدخروا جهداً في سبيل إطفاء الثورات التي كانت نتيجة متوقعة لعمليات تشويه الدين وتدمير قواعده على أيدي من لا يؤمنون بالله ولا يخجلون من تسمية أنفسهم بالمسلمين، بل إن بعضهم كان يحاضر ويؤلف الكتب للدلالة على رسوخه في العلم الشرعي، وينافي كل تعاليم الدين علناً. عندما فقدت القوة بعض مؤيديها، اتجه الناس إلى الدعاة المفوهين، واستمرت دائرة الاتهام المتبادل بين أنصار كل رمز لتبرير مواقف الشيخ أو تجريم معارضيه. ولنا في ما حدث في كثير من الدول ومنها المملكة، أدلة واضحة على أن الناس قد يفقدون بوصلتهم في الدفاع عن شيخ أو عالم، أو حتى عن فتوى يصدرها شيخهم المفضل ويسبون من يعارضه ويرمونه بأبشع الاتهامات. لكن المسؤولية تبقى على العالم الذي يعرف أن الاختلاف سنة كونية ومع ذلك لا يمنع مريديه من تدمير مفهوم هذه السنة. خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك ظهرت حالتان جديرتان بالدراسة والتمحيص. ممثل اشتهر بتقليد كل من هم في الساحة السياسية والفنية والدينية، بل إن شهرته بدأت من مهارته تلك، يرفض أن يقلد حسن نصر الله بسبب اتفاق المعتقد. الحالة الأخرى، هي ردة فعل بعض محبي الشيخ محمد العريفي من تقليد أحد الممثلين له. لست ممن يؤمن بأن تؤخذ الحقوق بالأيدي، ولهذا ساءني أن أسمع أن أحدهم اعتدى على الممثل المذكور لدرجة إدخال الممثل للمستشفي فأين نحن يا سادة؟ هل تحكمنا شريعة غابٍ أم ماذا ؟ الدولة هي صاحبة الحق في إيقاع العقوبات، والمتضرر هو الوحيد الذي يحق له أن يتقدم للمطالبة بالتعويض عن الضرر الواقع عليه. ساءني أيضاً أن الشيخ لم يشر إلى الموضوع أو يهدئ من روع الذين هددوا وتوعدوا وسبوا وشتموا بل وضربوا، فخلق المسلم يدعو للتسامح والمحبة والعفو عن الآخرين كما قال المولى جل وعلا ""وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين"" فتكلم أيها الشيخ الفاضل لمريديك، وامنعهم من انتهاك النظام.