سعدت لخبر صدور لائحة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم والتي تضمنت (23 مادة) تهدف إلى تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل في الخدمة المنزلية وتتناول حقوق والتزامات طرفي العلاقة روعي في إعدادها خصوصية العمل الذي يؤديه العامل من جهة، وخصوصية العلاقة التي تربطه بصاحب العمل وأسرته من جهة أخرى. إن صدور هذه اللائحة أمر في غاية الأهمية نظرا لكونها إطارا يحكم العلاقة الشائكة بين أصحاب العمل والعمالة المنزلية خاصة ما يتعلق بالعاملات المنزليات، والتي أصبحت مصدر قلق وعبء ثقيل بعد أن وصلت إلى مرحلة ارتكاب الجرائم والاعتداء على أفراد الأسرة خاصة الأطفال. من أهم إيجابيات هذه اللائحة هو التأسيس لثقافة الحقوق والواجبات الهلامية والتي لم نتعود عليها في حياتنا وتعاملاتنا مع العمالة المنزلية لدرجة أننا في الغالب أصبحنا نرى أن هذه العمالة جزء من ممتلكاتنا الشخصية، ومن ثم نتوقع منها أكثر مما هي قادرة عليه أو مطلوب منها. وفي المقابل فإن العمالة المنزلية وفي ظل حالة التسيب وانعدام القوانين أصبحت هي أيضا تسيء إلينا وتضعنا في مآزق عدة أخفها الرضا بالأمر الواقع أو البحث عن بديل مخالف للقانون. تنص اللائحة على عدد من البنود المهمة التي تحفظ للعمالة حقوقها مثل دفع الأجر المتفق عليه في العقد عند نهاية كل شهر دون تأخير وتوفير السكن المناسب والتمتع بيوم إجازة أسبوعي وتحديد ساعات العمل والراحة إضافة إلى أحقية العامل بإجازة مرضية مدفوعة الأجر بموجب تقرير طبي في حال المرض، وإجازة شهر مدفوعة الراتب بعد انقضاء سنتي عمل، واستحقاق العامل مكافأة نهاية خدمة بعد انتهاء العقد في حال أكمل أربع سنوات عمل. وفي المقابل فإن اللائحة تنص أيضا على حقوق صاحب العمل مثل أحقية صاحب العمل بوضع عامل الخدمة المنزلية تحت التجربة لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر ليتحقق صاحب العمل من الكفاية المهنية للعامل أو العاملة المنزلية وسلامة سلوكهم الشخصي، كما ألزمت اللائحة العامل أو العاملة المنزلية باحترام الدين الإسلامي وتعاليمه، والالتزام بالأنظمة المعمول بها في المملكة وخصوصية وثقافة المجتمع مع أداء العملِ المتفق عليه دون إخلال، إضافة إلى طاعة أوامر صاحب العمل وأفراد أسرته بما يتعلق بتنفيذ العمل المتفق عليه، ووجوب محافظته على ممتلكات صاحب العمل وأفراد أسرته وألا يتعرض لهم بأذى بما في ذلك الأطفال وكبار السن، والمحافظة على الأسرار الخاصة بصاحب العمل وأفراد أسرته والأشخاص الذين في المنزل والتي يطلع عليها أثناء العمل أو بسببه وألا يفشيها إلى الغير، وألا يمس كرامة صاحب العمل وأسرته، كما شددت اللائحة على عدم أحقية العامل أو العاملة المنزلية برفض العمل أو ترك الخدمة دون سبب مشروع، وألا يعمل لحسابه الخاص وألا يمارس أي نشاط يضر بالأسرة. من الواضح جدا أن حقوق صاحب العمل هذه بالرغم من منطقيتها، غير كافية ولا تغطي مناطق الخلل بل تميل إلى النظرية وصيغت بعبارات تعميمية لا يمكن تطبيقها بسهولة أو استيفاؤها، فضلا عن كونها غير مرتبطة بعقوبات محددة وواضحة يتخذها صاحب العمل أو اللجان الخاصة بالنزاعات في مثل هذه الحالات. إذ كيف يثبت صاحب العمل أن العاملة المنزلية لم تحافظ على أسرار أسرته أو لم تنفذ العمل المتفق عليه. ثم هل هناك محاكم مدنية تتولى النظر في هذه القضايا فضلا عن أن العقوبات التي أشارت إليها اللائحة في حق المخالف لشروط العقد سواء كان رب العمل أو العاملة هي من باب الغرامات المالية التي يصعب تحصيلها وستظل حبرا على ورق. وبالرغم مما تضمنته اللائحة من بنود توضح واجبات وحقوق كل من صاحب العمل والعاملة المنزلية في علاقاتهما التعاقدية، إلا أنها لن تكون حلا سحريا لطبيعة العلاقة الشائكة وما يؤثر عليها من ثقافة مجتمعية جعلت من العاملة المنزلية أداة للعمل تقضي 24 ساعة في منزل بعيد عن أهلها وغريب على ثقافتها وبيئتها دون النظر إلى احتياجاتها الإنسانية ومشاعرها الآدمية. نحن في حاجة لتفعيل شركات تتعامل مع العمالة المنزلية وتكون هي المسؤولة عنها والمنظمة لساعات عملها وإجازاتها وسكنها وغير ذلك مما يحتاجه العامل في ظروف إنسانية تراعي خلفية العاملة ومستواها التعليمي والثقافي. فكم من عاملة منزلية تجلبها مكاتب استقدام العمالة دون أدنى تدقيق للبيئة والخلفية والمستوى التعليمي لدرجة بتنا نرى عاملات منزليات بدائيات لا يعرفن أبسط قواعد الحياة العصرية من تعامل مع الأدوات المنزلية فضلا عن تورطهن في حوادث جنائية أو حالات نفسية مضطربة لا تؤهلهن للعمل.. تبقى اللائحة خطوة إلى الأمام، ويتبقى أن نخضعها لمجهر التجربة والتطوير بما يتناسب مع ازدياد وعينا بمفهوم الحقوق.