"تويتر" يحدد ما يتحدث الناس عنه، ما يحبونه وما يكرهونه، وبالتالي صار ضروريا لمن يريد أن يكون قريبا من الحوار الاجتماعي العام أن يتابع ما يتحدث الناس عنه على "تويتر" مثل كل موسم تلفزيوني حول العالم، ستترقب المحطات التلفزيونية العربية في آخر هذا الشهر نتائج الأبحاث الخاصة بنسب المشاهدة التلفزيونية، والتي ستحدد من نجح ومن فشل، ومن لقي إعجاب الجماهير وجذب انتباههم، ومن لم يتمكن من ذلك. بالمقابل، سيسهل على الخاسرين في المعركة الطعن في نتائج الدراسات، لأنها قائمة على عينة صغيرة لا تمثل الجمهور وتنوعه وضخامته، ولأنها جهد بشري لفريق صغير جدا، قد تميل أهواؤه لسبب أو لآخر مع قناة تلفزيونية أو ضدها. لكن احتكار المؤسسات البحثية لتحديد الناجحين في عالم المشاهدة التلفزيونية في طريقه للانقراض، لأن الشبكات الاجتماعية، وخاصة "تويتر"، بدأت تغير المعادلة بشكل جذري وسريع في كل مكان، ليس فقط لأنه يعبر عن رأي الجماهير الواسعة بشكل تلقائي يصعب تزويره، بل أيضا لأنه لحظي ومباشر، ولا يعرف المجاملات. في الأسبوع الماضي أعلن أحد البرامج البريطانية الشهيرة The Wright Way عن إلغاء موسمه التلفزيوني القادم، وإطلاقه بدلا عن ذلك على نظام المشاهدة حسب الطلب التابع لBBC وذلك أولا لأنه واجه حملة سلبية شرسة على "تويتر" جعلت منتج البرنامج خائفا من تردد المعلنين في رعاية البرنامج، وثانيا لأنه بذلك يستطيع التعرف على رأي الجمهور بشكل تدريجي قبل أن ينتقل إلى شاشة التلفزيون. باختصار، صار "تويتر" يحدد خيارات المحطات التلفزيونية ويضغط عليها كذلك، وصار يسمح لها بالاطلاع على رأي الجمهور بعد الحلقة مباشرة وليس بعد فترة من ظهورها، كما هو الحال الآن. لكن التحدي أمام وسائل الإعلام هو كيفية تحويل كم المعلومات الكبير الذي يصلها من "تويتر" حول برامجها التلفزيونية إلى نتائج كمية وكيفية واضحة ومعبرة بالفعل عن رأي الجمهور، ولا يمكن بسهولة التلاعب بها من خلال تعيين أشخاص يقومون بإرسال عدد كبير من الرسائل الراضية أو الغاضبة عن برنامج معين. الجواب جاء من خلال عدد من المبادرات التقنية التي تأتي تحت مظلة ما يسمى ب"إحصاءات المشاهدة الاجتماعية" Social TV Ratings، وكان واحد من أبرز هذه المبادرات قائما على تعاون بين تويتر وشركة نيلسن (وهي الأشهر تاريخيا في مجال تقييم المشاهدة التلفزيونية) لتأسيس نظام لإحصاءات المشاهدة التلفزيونية حسب تويتر في أميركا، وهي بذلك تعطي قوة خاصة لعموم الجمهور في التأثير في قرارات القنوات التلفزيونية بشكل علمي ومنظم. هذه المبادرة ومبادرات أخرى عديدة تحاول فرز آراء الجمهور تقنيا، وتجنب الآراء المكررة، أو الصادرة من الشخص نفسه، والتي تعمل أيضا على فهم معنى التغريدات وفرزها كإيجابية أو سلبية أو معلوماتية محايدة، ستساعد قنوات التلفزيون على فهم الجمهور، وستساعد المعلنين بدرجة أكبر على تجنب التورط في البرامج التي تحقق مشاهدة عالية ولكنها في الحقيقة تثير غضب الجمهور ورفضهم رغم مشاهدتهم لها. هناك تأثير سلبي آخر وهام جدا لتويتر على القنوات التلفزيونية. في السابق، كان الناس يحرصون على مشاهدة القنوات الجماهيرية حتى يستطيعوا أن يكونوا جزءا من التجربة الاجتماعية العامة. بمعنى، كثير من الناس قد يشاهد برنامجا جماهيريا ما، ليس لأنه يحبه، بل لأنه يريد أن يكون جزءا من عموم الجمهور الذين يشاهدون البرنامج، وحتى يستطيع تبادل الأحاديث معهم حول البرنامج. هذا الشعور الإنساني كان له دور مهم جدا في تحقيق أرقام المشاهدة العالية للبرامج، وكان يعتقد أنها ستبقى السر الذي يساعد قنوات التلفزيون الجماهيرية ضد القنوات الأقل جماهيريا أو القنوات المتخصصة أو البرامج على الإنترنت. هذا الواقع يتغير تدريجيا بسبب "تويتر"، لأن "تويتر" صار يحدد التجربة الاجتماعية، يحدد ما يتحدث الناس عنه، ما يحبونه وما يكرهونه، وبالتالي صار من الضروري للشخص الذي يريد أن يكون قريبا من الحوار الاجتماعي العام أن يتابع ما يتحدث الناس عنه على تويتر، بغض النظر عن القناة التي يعرض عليها. أكثر من ذلك، إذا كان البرنامج موجودا على الإنترنت (يوتيوب مثلا)، فإن الحديث على "تويتر" يأتي مع الرابط الذي يمكن الضغط عليه مباشرة لتحقيق المشاهدة. هذا في رأيي يبرر الأرقام العالية لمشاهدة البرامج التلفزيونية على يوتيوب، حيث صار من الصعب على الشخص في السعودية مثلا أن يكون جزءا من الحوار الاجتماعي العام، وهو لا يطلع على هذه البرامج بشكل مستمر. لقد بقي فهم قنوات التلفزيون العربية لاحتياجات الجمهور ورغباته ضعيفا لفترات طويلة، وهذا يشرح لماذا تنفق بعض القنوات التلفزيونية ميزانيات ضخمة ولكنها لا تجني من ورائها إلا الفشل. "تويتر" أوجد طريقة للتواصل، ولو انتقلت نظم إحصاءات المشاهدة الاجتماعية التي تحول التغريدات لمعلومات إحصائية مفصلة للسوق العربي فسيكون لها دور كبير في رأيي في مساعدة القنوات التلفزيونية على تطوير نفسها. في عصر الإعلام الاجتماعي، "الجمهور" يتحكم في كل التفاصيل.