د. عبد الله الحريري - الاقتصادية السعودية اليوم المملكة تتقدم في مجال حقوق الإنسان وحماية الحريات، وتخطو خطوات مناسبة على صعيد القوانين والتشريعات والأنظمة التي تعزز وتحمي حقوق الناس على المستوى المؤسسي، وفي المقابل فإن ما يقلق هو التأخر على الصعيد الفردي، فقد يدفع العدوان البعض إلى ارتكاب حماقات عديدة قد تصل إلى مرحلة التدخل في خصوصيات الآخرين وأسرارهم وحقهم في العيش بأمان واحترام، وابتزازهم. القضية تكمن في مفهوم اجتماعي أن الإنسان ليس من حقه أن يكون حرا في قراراته الحياتية التي تخص سلوكه، وهو مسؤول عنها وعن تصحيحها، ولأن ذلك المفهوم مطاط أصبح كل شخص يتعدى على حرية الشخص الآخر على كيفه، ويضع قوانينها التي يمارس من خلالها التعدي على خصوصيات الآخرين وحرياتهم، وفي الوقت نفسه فإن التركيبة الاجتماعية لمجتمعنا كمجتمع يتميز بالشبكة الاجتماعية المتداخلة من خلال الانتماءات القبلية والأسرية والمصالح، تعزز تلك السلوكيات. فالأخ وابن العم وابن القبيلة والأسرة، لا بد أن يخدم ويتواطأ مع الآخر وينفذ ما يطلبه منه. فإذا كان في مؤسسة عامة أو خاصة يمكنه استغلال نفوذه وعمله في الكشف عن أسرار الآخرين، إما بالورق وإما بالصوت وإما بالصورة، ومن ثم تبدأ رحلة التجسس على الآخرين، ويتطور ذلك السلوك العدائي إلى سلوك اجتماعي مع وجود التقنيات الحديثة في أجهزة الاتصالات كتسجيل المكالمات سواء العاطفية أو غيرها واستخدامها كوسيلة ضغط على البنات أو على الأشخاص. ما أخشاه في عدم وجود قانون لحماية حريات وأسرار وخصوصيات البشر، أن تفلت العملية من البداية، ويبدأ من في قلبه مرض استغلال القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية من مبدأ كلمة الحق لكن يراد بها باطل، من أجل إيقاع أكبر ضرر بالأشخاص، لأن من يعمل ذلك السلوك - كما ذكرت في أول المقال - يعاني خللا واضطرابا؛ فبدلا من استخدام السلاح، لأن القانون لا يرحم مستخدميه، يوجه عدوانه باستخدام أسلحة أخرى تحظى بدعم وتلذذ اجتماعي. لقد حسم القرآن الكريم موضوع التجسس ومنعه منعا لا جدال فيه، ويجب إلى جانب تجريم التعدي على الخصوصيات، إصدار قانون يتوازى مع قانون الشكاوى الكيدية والقذف، وألا يسمح من حيث المبدأ بقبول أي قضية أساسها مثل تلك السلوكيات، وعدم إعطاء الفرصة لتقبل أولئك العدوانيين، وكفى ما نعنيه من فاعلي الخير الذين يعملون في الظلام لتحقيق أهداف سلوكية أو فكرية مرضية. وأعتقد أن ملف حقوق الإنسان يحتاج إلى التركيز على الدعم والتوعية للجوانب الحقوقية لدى الأفراد بالدرجة الأولى وتفعيل كثير من الأنظمة والتنظيمات التي تحقق العدالة وحماية الحريات.