تلعب وسائل الإعلام دوراً مركزياً في التعبئة والتوجيه تجاه مختلف القيم المدنية التي يطمح للوصول لها المواطنون لتحل محل بعض القيم السائدة التي تشكل عائقا أمام تمدن المجتمع وتطوره. ولا يمارس إعلامنا المحلي دورا يذكر في تعزيز هذه المفاهيم والقيم، بل إنه يقف في كثير من الأحيان موقفاً سلبياً منها لانحيازه لاتجاهات رسمية أو تقليدية ترى في القيم المدنية تعارضاً مع مصالحها. المقصود من مصطلح القيم المدنية هي تلك المبادئ والمفاهيم التي تطرح معالجات تتسم بالحالة المدنية، التي يلخصها المفكر الدكتور توفيق السيف في حال مجتمعنا السعودي بأنها: العقلانية في سلوك الأفراد والمؤسسات الرسمية في مقابل تغول هذه المؤسسات، الحريات الشخصية كحرية التعبير والاعتقاد، الشفافية وحاكمية القانون، مقاومة الخصوصية المحلية التي تعد عائقا أمام التواصل مع التحولات القائمة في المجتمعات الأخرى، الدعوة للمساواة والتسامح ونبذ التعصب المذهبي والقبلي، وتعزيز الهوية الوطنية ولا سيما التأكيد على التنوع والتعدد الثقافي والحاجة إلى الاعتراف به وحمايته قانونياً. ولو بحثنا في مختلف وسائل الإعلام المحلية، سواء الرسمية منها أو الخاصة، لا نجد موقعا لمثل هذه القيم في موادها المختلفة بصورة تساهم في بلورة المفاهيم أو فتح النقاش والحوار حولها، وسبل التعاطي معها على الصعيد الثقافي والاجتماعي. فلن تجد في وسائل الإعلام طرحاً جاداً حول هذه القضايا وأبعادها المختلفة، أو معالجات لانعكاساتها السلبية على أفراد المجتمع. لا يقتصر الأمر على تغييب هذه القيم ومفاهيمها، بل إنك تجد أحياناً إثارات لقضايا ومواضيع هي في الحقيقة معاكسة ومخالفة للقيم المدنية، وتكرس مفاهيم تقليدية تساهم في إبقاء المجتمع حبيساً لها وبعيداً عن حالة التمدن الحقيقي. فمثلاً يستمر التشكيك دوماً في مآلات خطاب الاعتدال والتسامح ودوافعه، بينما تعج وسائل الإعلام بمختلف أشكال الخطاب المتشدد، الذي يصل أحياناً إلى استخدام مفردات عنصرية تجاه الآخر المختلف، أو التشكيك في نوايا وانتماءات المختلفين فكرياً وسياسياً دون إفساح المجال لعرض مجالات الاختلاف بصورة حيادية وموضوعية. هنالك تحول ملحوظ في هامش الحرية لوسائل الإعلام الخاصة -بشكل أكثر تحديداً- التي يغلب فيها تناول قضايا ومواضيع اجتماعية، ولديها مواقف خاصة من مختلف الأحداث، وهذا أدى بدوره إلى تكثيف الجدل والحوار حول مختلف القضايا السياسية والفكرية في المنطقة العربية كالإصلاح السياسي والتعددية وحقوق الإنسان. ومع ذلك فإن بعض هذه الوسائل يلعب دوراً سلبياً في تغليب الخصوصيات المذهبية والقبلية والحزبية بما يتعارض مع القيم المدنية. لاشك أن مسؤولية وسائل الإعلام كبيرة ومهمة في تناول القيم المدنية وإبرازها بصورة تساهم في تجسيدها على أرض الواقع في المجتمع وتعزز قيامها، وليس بتغافلها ومحاربتها وإبراز ما يخالفها من قيم سلبية وغير مدنية.