كثيرا ما أستغرب لماذا كان يصر أستاذ إدارة الأعمال في جامعة الكويت على أن تكون معظم واجباتنا المنزلية عن طريق «فريق عمل» شريطة أن يكون اختيار أعضائه عشوائيا أو بالقرعة وأن يكون في كل مجموعة طالبة أو طالبتان! وقد باءت محاولات البعض بالفشل في إقناع د. محمد العوضي، يرحمه الله، بأن يترك لنا الخيار في اختيار من نعمل معهم. وبعد نهاية الفصل الدراسي، الذي حصلت فيه على درجة الامتياز، تشجعت لأن أذهب إلى مكتبه وأسأله عن السبب الذي لطالما حيرني. فقال: «يا محمد الحياة عينة عشوائية من الناس الذين نعمل معهم، ولا تستطيع اختيار زملاء العمل أو من تتعامل معهم دائما، ومن هذا المنطلق أحب أن أعودكم على أن تعملوا وتختلفوا ثم تحلوا مشكلاتكم بمفردكم، وهو ما لم تتعلموه في مدارس الكويت، ولكنني كنت محظوظا بأن تعلمته أثناء دراستي بالولايات المتحدة الأميركية». ثم اتضح لي أن وجهة نظره سليمة؛ فقد دبت خلافات متنوعة بين المجموعات التي كانت تتطلع إلى نيل درجة عالية، ورغم ذلك، فإنه كان يرفض التدخل حتى نحاول نحن تجربة ما بوسعنا من حلول في محاولة لنزع فتيل الخلاف الذي يكاد يشتعل فيما بيننا حينما يتراخى مكلف عن تقديم ما كلف به على الوجه الأكمل وفي الموعد المحدد (Deadline). قبل أيام سألني الإعلامي اللامع د. سليمان الهتلان وهو يحاورني في حلقة «حديث الخليج» على قناة «الحرة»، عن مسألة أدب الخلاف وكيفية التعامل معها وهي مسألة تواجهنا في فرق العمل والتعامل العام مع الناس، فقلت له إن إحدى مشكلاتنا في الحوار تكمن في اعتقادنا بأننا نحتكر الحقيقة، فحينما يجلس أحدنا في محاولة لفهم الطرف الآخر، يشعر وكأنه يَمُن عليه بهذه الدقائق لأن المسألة محسومة في ذهنه، وكأنه لا يحتاج إلى رأي الآخرين.. وهو بذلك ينسى أن الحوار مع من نعمل معهم إنما هو تلاقح للأفكار والآراء التي تولد آراء سديدة. بمعنى آخر؛ قراراتنا التي توصلنا إليها هي ثمرة لهذا الاختلاف مع الآخرين الذي لا بد أن يكون فيه شيء ما يستحق التأمل.. فكم من فرد أو وزير أو رئيس دولة تراجع عن قراره لأنه استمع إلى وجهة نظرة وجيهة من أحد أفراد فريق عمله. غير أننا حينما نتحاور ننسى التفريق بين الرأي والحقيقة، فنقدم آراءنا بصلابة وحزم وكأنها حقائق مجردة لا تقبل التغيير، ومن هنا يتحول الاختلاف الصحي إلى خلاف حاد ينقلب في بعض الأحيان إلى مشاجرة أو ملاسنة كلامية عنيفة في فريق العمل. ولنتفادى تفاقم مشكلة عدم احترام الاختلافات في المجتمع الخارجي والمجتمع الصغير الذي نعمل معه، فيجب أن نبادر بغرس السلوك الإيجابي في نفوسنا بالتدريب المتواصل، لمدة يوم، فأسبوع، فشهر ثم أكثر من ذلك، حتى يتحول ذلك السلوك إلى طبع متأصل فينا.. وأن لا ننسى ضرورة نقل فضيلة التعامل الإيجابي مع الاختلاف في الرأي إلى أبنائنا، كأن نفاجئهم بتغيير قراراتنا لأن أحد الأبناء قدم اقتراحا مقنعا وحد تحت رايته كل آرائنا المتضادة. ونحن بهذا السلوك الراقي نغرس في الابن كمية هائلة من الثقة بالنفس لأنه نجح في إقناع أحد والديه، فينعكس ذلك على سلوكه مع أصدقائه أو زملاء العمل في المستقبل حينما يحاورهم بحكمة وموضوعية وأدب، وهو ما نحتاجه جميعا في هذا العصر لنتمكن من نزع فتيل الخلاف قبل نشوبه. * كاتب متخصص في الإدارة