كنت مؤخراً مع عائلتي في أحد أكبر المراكز التجارية في جدة وهو "رد سي مول" وفوجئت بعدد المدخنين داخل السوق، سواء في الممرات أو المطاعم أو حتى داخل المحلات.. أما المقاهي داخل ذلك المركز أو خارجه بمدينة جدة فقد عادت هي الأخرى مجدداً لتحدي كل قرارات منع التدخين في الأماكن المغلقة والمزدحمة وذلك بشكل علني يوحي باطمئنانهم التام وإحساسهم بالأمن من أي عقوبة. وللتذكير فقط فإن آخر قرارات منع التدخين أصدره سمو وزير الداخلية السابق الأمير أحمد بن عبد العزيز في رمضان 1433ه وأكد فيه على العمل بموجب الأمر السامي الكريم بهذا الشأن وعلى وجوب منع التدخين منعاً باتاً في الأماكن المغلقة والمقاهي والمطاعم والمراكز التجارية غير المكشوفة والأماكن المزدحمة. هذا الأمر دعاني للتساؤل عن سر تفشي ظاهرة عدم احترام الناس في مجتمعنا للأنظمة والقوانين، ليس فقط فيما يتعلق بالتدخين ولكن في أمور أخرى عديدة يصعب حصرها، ومنها على سبيل المثال: ربط حزام الأمان، منع استخدام الجوال أثناء القيادة، منع تشغيل مكبرات الصوت أثناء الصلاة وقصرها على الآذان فقط ومنع الحج بدون تصريح. جميع هذه الأمور لم تلقَ استجابة كافية من قبل الكثيرين.. فما هو السبب يا ترى؟ في اعتقادي أن جميع هذه القرارات تمت دراستها بشكل جيد قبل إصدارها بل إن بعضها حظي بتأييد كبار المشايخ لدينا، بل وصدور فتاوى شرعية نحوها كما هو الحال في "الحج بدون تصريح" والذي أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء بأنه يحرم شرعاً. في اعتقادي بعد كل ما سبق أنه لم يتبقَ سوى سبب واحد يمكنني القول بأنه هو الحلقة المفقودة التي نتج عن غيابها انتشار ظاهرة عدم احترام الأنظمة. هذه الحلقة هي بكل بساطة غياب "العقوبات الرادعة" التي يتم تنفيذها بحزم وصرامة على جميع المخالفين دون استثناءات أو محاباة. عقوبات لا يتم التحمس لها لفترة قصيرة من الزمن ثم توضع في أدراج النسيان دون متابعة أو تفعيل. ختاماً، لمن سيقول إن التوعية هي الحل.. التوعية مطلوبة وضرورية قبل صدور النظام، أما بعد صدوره فإن قوة النظام وهيبته وصرامة تطبيقه هي الأهم، بدليل نجاح ساهر ونطاقات وتأنيث محلات المستلزمات النسائية.. أنظمة - سواء أحببناها أو كرهناها- ما كانت سترى النور لولا صرامة التطبيق.