مخطئ من يظن ان حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في خطر ، لأنها تتمتع بشرعية شعبية كبيرة لا يمكن للمعارضة أن تزحزح الثقة بها مهما توسعت دائرة التظاهرات في مدن تركية عدة أو مهما تواصلت الاعتصامات في ميدان " تقسيم " وسط إسطنبول . ومخطئ من يظن أن الخلاف حول بناء مسجد ومركز تجاري مكان حديقة عامة هو بالأمر المعقد الذي لا يمكن حله أو إيجاد تسوية بشأنه . ولكن يبدو أن كل طرف ينتظر أن يخضع الطرف الآخر لشروطه وكأن المسألة كناية عن لعبة "عض أصابع " يخسر فيها شكلياً من يصرخ أولاً من الألم . ولكن هذا لا يعني أن تركيا بخير ، لا بل إن بوادر انعكاس هذا الوضع على الاقتصاد التركي قد بدأت ، ومكمن الخطر الفعلي والمباشر الآن هو على مستويين هامين : -المستوى الأول يتعلق بقطاع السياحة حيث تبدأ قريباً العطل الصيفية للراغبين بقضائها في ربوع تركيا التي استقبلت العام الماضي نحو 10 ملايين سائح ، والتي قد تشهد انخفاضاً في العدد هذا العام لأن السائح يفتش دائماً عن الراحة والأمان والاستقرار . -المستوى الثاني مرتبط بقطاع الاستثمار الأجنبي في تركيا حيث من الممكن أن يتخوف بعض رجال الأعمال مما يجري الآن فيعمدوا الى تجميد مشاريعهم أو الى الانسحاب منها . ومعلوم ان الاستثمار الأجنبي في تركيا يبلغ الآن نحو 10 مليارات دولار فيما كان 16 ملياراً عام 2011 ، كما أن نسبة النمو وصلت الى 8 % العام الماضي وقد انخفضت جزئياً هذا العام ، فيما البورصة خسرت حتى الآن نحو 10 % من قيمتها . أما الخسائر المادية المباشرة لأصحاب المحلات التجارية في ساحة " تقسيم " فلا زالت متواضعة حيث بلغت 37 مليون دولار فيما الناتج الوطني السنوي يبلغ 775 مليار دولار . ولكن الخوف الأكبر هو على الخطة الإستراتيجية التي وضعتها حكومة أردوغان والتي تتطلع مع حلول العام 2023 الى أن يصل اجمالي الناتج الوطني الى 2000 مليار دولار ، وأن تصل قيمة الصادرات الخارجية الى 500 مليار دولار ، وان يتوسع حجم التجارة الخارجية ليصل الى 1000 مليار دولار . وتطمح أنقرة أن تحتل اقتصادياً المرتبة العالمية العاشرة خلال العام 2023 فيما تحتل اليوم المرتبة الثامنة عشرة . فهل فكر المعارضون في هذه الأرقام قبل أن يعلنوا تحركهم ؟ وهل تستحق حديقة ميدان " تقسيم " أن تضحي الدولة بمثل هذه الطموحات العملاقة ؟