وُلِد «الوعي» هاَهُنا قَزماً. والكائناتُ -عن بكرةِ أبيها- شهودُ، وفَمُ الزّمانِ الغضّ قد تسربَلَ بالمَرارةِ راثياً في الأثناء التي توشّحَ فيها الآتي سواداً قد نسجتْهُ أنامل الموتى من خيوط الذاكرةِ البائسة، ولم يكن ثمّة مناص من أن يكفّ «الوعيُ» حينذاك عن الحياةِ. فماتَ ألفَ مرّةٍ ومرّة، وفي كلّ مرّةٍ يكونُ فيها الموتُ حاضراً يظلُّ هو السّيدُ فيما «الأحياء» قد ألفوا القهر غياباً.! حالة صمتٍ مهيب، ثم يضجُّ المكان بأصواتٍ خشنة، لم يكن هذا الموتُ -للوعي- سوى موتَتِه الأولى! ولم يكن الناسُ بأفضل حالٍ من قبل أن يظفروا به. فعودوا إذن- يا أيها الناس-إلى تأمين قوت يومكم هذا. تفاصيل الحكاية: وُلِد «الوعي» قزماً، غير أنّ ما كُنّا نخشاه قد تحقق إذ ماتَ «قزماً»، مِن بعد ما رُدّ إلى أرذل العمر كيلا يعلم بعد علمٍ شيئا، ثم ما لبثنا غير ساعةٍ، وإذ بنا في عرسٍ من الجدلِ، حيث ازددنا جرّائه فُرقةً، وكانت الخصومة إذ ذاك في «كيف نؤبنه»؟! انتصر- في الجدل- أكثرنا صلاحاً حيث صاح فينا: تعوذوا بالرحمن منه إنه قد كان (تقيّا) أجدني مدفوعاً -إزاء هذا المشهد الجنائزي- إلى القول: بأنّ ولادة – ذلك الوعي- قد تمخّضت بأشد ما يُمكن أن يُتصَور مِن حالات عُسر الإنجاب، وبالكاد استهل المولود صارخاً مِن بعدِ ما توجسنا خِيفةَ، مِن أن يكون قد خرجَ للحياة: «ميتَاً»!، ما جعلنا نحتفلُ به ثانيةً، دون أن نأبه كثيراً إلى ما وجدناه عليه من ضآلةِ حجم! أبانت عنها أعضاؤه الضّامرة حدّ الاضمحلال. مضى بنا الزمان إلى أبعد مما كنا نظن أن يمضي، ومع كلّ ضخامةِ المتغيرات التي طاولت ما حولنا مِن كلّ الجمادات والأحياء، ظلّ «الوعي/القزم» هو وحده حالة الاستثناء، وببسالةِ الأشداء قاوم أيّ تغيّر، بحيث بقي على ما كان عليه من ضآلةٍ وضمورٍ بيّنٍ، كما كنّا قبلاً قد خبرناهُ، لمّا أن كان في المهد صبيا! بذات المضمون وبعين الشكل الذي لا يشي إلا بالتندّر لكلِّ عابرٍ يُمكن أن يُبصره عن كثب شبَّ، ولكن ظلّ في طوق «القزامة» مؤداً، ولم يكن بُدٌّ من الانتقال لمنطقةِ الكهولةِ، ولكن بمواصفات «القزم» ومؤهلاته. وفي حين شاخَ فيه كلُّ شيءٍ بقي محافظاً على أداوت: «القزم»مِن عقدةِ في اللسان وارتجاجٍ في المخ. هَرِمَ بالتالي وهو لم يزل بعدُ يحمل كلَّ قياسات: «القزم» وجيناتِه التي لم تكن لتغادره في أمره كلّه. وفي الأخير، ماتَ (قزماً) كما قد وُلد، وما نخشاه هو أن يبعث – ثانيةَ- قزماً، ولا سلامٌ عليه في كلّ الحالات.! *قد نعود لاحقاً ابتغاء أن نوضح الأسباب التي دفعت ب: «وعينا» إلى أن يكون قزماً في كلّ حالاته.