بعد يوم على مقالة «سعودي يحج من الكويت»، التي نشرتها «الحياة» قبل أسبوعين، أعلنت هيئة حماية المستهلك السعودية أن كلفة مكالمات الهاتف الجوال في السعودية أعلى من نظيراتها في الخليج ودول عربية أخرى. وللتذكير، أشارت المقالة إلى أن كلفة الحج من بعض دول الخليج ومن العاصمة الأردنية، أرخص مقارنة بها من الأراضي السعودية. كما أشار المقال إلى أن كلفة استقدام العاملة المنزلية (من أية جنسية كانت)، يبلغ في المملكة ضعفي كلفته في دول الخليج. وفي ما يخص كلفة الاتصالات، أصدرت جمعية حماية المستهلك بياناً أشارت فيه إلى أن متوسط كلفة دقيقة المكالمة في السعودية يبلغ 35 هللة في مقابل 7 هللات فقط في دول خليجية مجاورة، وصنفت الجمعية كلفة المكالمات في السعودية ضمن «الأغلى عالمياً». هذا الأسبوع فتحت «الحياة» في طبعتها المحلية، ملفين في غاية الأهمية. الأول، تحقيق للزميل سعد الأسمري، قارن فيه كلفة استقدام العاملة المنزلية في السعودية بمثيلاتها في الخليج، وأوضح التحقيق أنها تزيد في السعودية بنسبة 166 في المئة مقارنة بالإمارات، ب 88 في المئة على كلفة الاستقدام في البحرين، و33 في المئة مقارنة بالكويت وعمان، كما تزيد الكلفة في السعودية أيضاً بنسبة 77 في المئة، مقارنة بها في لبنان. الملف الثاني هو ملف كلفة السكن في الفنادق، وقامت الزميلة منى المنجومي باستطلاع قارنت فيه كلفة الإقامة في فنادق جدة بنظيراتها في دبي وقطر والكويت. وأوضح الاستطلاع أن كلفة الإقامة في أحد فنادق جدة غير المشهورة يوازي كلفة الإقامة في فندق «برج العرب» في دبي أو يزيد عليها قليلاً، وهو المصنف ضمن فئة السبع نجوم. ووجد الاستطلاع أيضاً- وعلى سبيل المثال- أن سعر الغرفة في فندق «قصر الشرق» في جدة يزيد بنسبة 269 في المئة على سعر الغرفة ذاتها في «كمبنسكي» دبي. كما يورد الاستطلاع أمثلة أخرى للمقارنة مع الكويت وقطر، وكلها توضح ارتفاع كلفة السكن في فنادق جدة مقارنة بها في عواصم الخليج. وما ذكر عن جدة يسري في الرياض، وبدرجة أقل في مدينة الدمام، عاصمة الإقليم الشرقي للبلاد. هذا الاثنين أيضاً نشرت صحيفة «الرياض» تحقيقاً أوضح أن تكاليف إقامة السائح في أحد أماكن الاصطياف في المملكة تتجاوز كلفتها في النمسا وبريطانيا. ما يعني أن الغلاء عندنا تجاوز حدود الخليج وزاد حتى عن دول العالم العريقة التي يقصدها السياح بالملايين. بالطبع، المقارنة ليست في مصلحة المستهلك السعودي، وكل ما يسوقه التجار في هذا الجانب مخالف للمنطق والمقبول. ففي ما يخص غلاء الاستقدام، يشير التجار إلى أن سببه يعود إلى ضخامة الطلب في السوق السعودية، وارتفاع تكاليف الطيران إلى السعودية مقارنة بها في دول مجلس التعاون. وهو مبرر واهٍٍ، فحجم السوق يجب أن يكون ميزة، ويعطي قوة تفاوضية للحصول على عمالة بتكاليف أقل، كما أن الطيران الذي يقصد دول الخليج يحط أيضاً في الرياضوجدة، وإن كان هناك فارق بضع مئات من الريالات فليس مبرراً لوصول كلفة الاستقدام إلى الضعف (زيادة 6-8 آلاف ريال، مقارنة بدول الخليج). أما ارتفاع كلفة الحج على رغم وجود مكةالمكرمة في السعودية، لا في الخليج أو الأردن، فلا سبب لذلك غير تحكم مجموعة صغيرة من أصحاب الحملات بسوق الحج، وفرض ما يريدون من أسعار. كما أن ارتفاع كلفة المكالمات دليل على غياب هيئة الاتصالات تماماً حينما يكون الموضوع يهم المستهلك، وهي التي فرضت على شركات الاتصالات أخيراً إلغاء خدمة التجوال الدولي التي يستفيد منها الناس، فالهيئة تعمل ضد المستهلك، وليست لمصلحته أبداً. أما الفنادق، فالوضع غير قابل للتصديق أن تكون فنادق الرياضوجدة أغلى من دبي والدوحة والكويت، ولا مجال للمقارنة بين حركة السياح والزائرين في هذه المدن وجدةوالرياض. ولكن الموضوع يعود إلى البيروقراطية، وغياب التخطيط، وصعوبة الحصول على التصاريح من الجهات الحكومية المعنية، ما أعطى مجموعة قليلة من الفنادق قوة احتكارية لرفع الأسعار كيفما تشاء. ختاماً، إن ما يحدث في سوق السعودية من ارتفاع كلفة الخدمات، وبنسب ضخمة وكبيرة مقارنة بالدول المحيطة، والتي تتشابه ظروفها مع السعودية لحد التطابق، يعود إلى ثلاثة أمور: الأول، تشوه السوق، وتحوله بسبب صعوبة التراخيص أو منعها، أو قوة التجار وتنفذهم لتحتكر هذه السوق قلة منهم، تفرض أسعارها. الثاني، غياب أي صوت للمستهلك في السوق. والجمعية اليتيمة التي تمثل المستهلكين، دخلت غياهب الخلافات، وضعف الدعم المادي لها، فأصبح وجودها بلا فائدة. الثالث، عدم قيام الجهات المسؤولة في الحكومة كوزارات التجارة والحج والعمل، وهيئتي السياحة والاتصالات، بالدور المطلوب منها في فرض أسعار تنافسية تخدم المستهلك ولا تبخس التاجر ومقدم الخدمة. ولذا فلا بد، لحل مشكلة ارتفاع الفاتورة التي يدفعها المستهلك السعودي مقارنة بالدول الخليجية المجاورة، من حلحلة النقاط الثلاث مجتمعة ومنفردة، ولأن الثانية شبه ميؤوس منها، فلا يتبقى إلا تفعيل النقطة الثالثة للتغلب على الأولى.