أشعر بخوف، عندما أرى هذا الاندفاع لاختزال الفساد في فرد أو مجموعة أفراد. هذا يظهر في أحاديث المجالس. وهو في كل مناسبة يطول فردا أو جهة، لكن الذاكرة تتآكل، فلا ترى أمامها سوى مجموعة أسماء. بينما لو أنصف المرء نفسه، لوجد أنه شريك أساسي في الفساد. أعرف كاتبا تسلط على مهاجمة مؤسسة أكاديمية، لسبب شخصي: رفضت الجامعة تعيين شقيقته معيدة في الجامعة، لأن معدلها لا يؤهلها لذلك. ظل الرجل باسم محاربة الفساد يتناول ملفات عديدة محورها الجامعة، ثم عندما أصبحت مناقشة قصية الفساد موضة العصر، صار متخصصا في حديث الفساد. ولكن الفساد لا يمكن أن يعالجه إنسان فاسد. الحق أننا كلنا إلا من رحمه الله شركاء في طبخة الفساد. المقاولون الذين يأخذون المشروعات الحكومية هم في النهاية من النسيج ذاته، ليسوا أناسا طارئين. لم يأتوا من مكان آخر. هم من أعشاب هذه الأرض. الأمر نفسه يمكن سحبه على آخرين. الموظف الصغير الذي يتحجج بالحاجة عندما يأخذ الرشوة، والموظف الآخر الذي يتعلل بالإحباط والظلم من رئيسه إذا ما عاتبه أحد لتقصيره في عمله. هذه صور فاسدة، يتم تجاهلها. لا يبقى في المشهد سوى الأصوات السلبية التي يرددها فاسدون غالبا، لكن فسادهم غير مرئي في اللحظة التي يمارسون فيها النقد. ألسنا ننتقد الواسطة؟ ولكننا نمارسها. نتوسط لهذا وذاك، ونبحث عن من يتوسط لنا أيضا. الفساد نفسه يجعلنا نلتمس أكثر من مبرر لمن تتقاطع مصالحنا معهم، ولكننا في الوقت نفسه نسلط ألسنتنا على من لا مصلحة لنا معه. فسادنا يختزل مصالحنا، ويختصر خياراتنا، فنعتبر فساد القريب شطارة، بينما فساد الغريب شر مستطير. الحقيقة أن هذا فساد وذاك فساد، ولكننا كشركاء معنويين مع الأول ننظر بعين العاطفة، وكخصوم فعليين للآخر ننظر بعين العدو الذي يتلبسه العقل والمنطق. نحتاج لإعادة قراءة مواقفنا تجاه الفاسد وغير الفاسد. عندما يتم إعلاء مشروع الوطن فوق كل اعتبار من الجميع، سيتوارى الفساد، وترتفع قيمة الإنسان.