في مدينة برشلونة يهدون وردة لكل من يبتاع كتابا يوم (23 إبريل) لأنه يوم الكتاب العالمي، بينما مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (أرامكو) اختار أن تكون احتفائيته بالكتاب أوسع مع المزيد من التفاصيل والأفكار والرؤى في ندوة (يوم الكتاب العالمي). (أرامكو) كانت تعني لي مجموعة من العناوين المقتطعة من سياقها، قطع فسيفساء لصورة غامضة، تنقيب الأمريكان عن النفط، صورة باهتة بالأبيض والأسود لرمال ومعدات حفر، بئر الخير 1938، مظاهرات العمال، روايات عبدالرحمن منيف، واحة حرية مستجلبة من أمريكا ومرتبات فارهة تجعلها حلم كل شاب، توطين أرامكو، وأيضا وجودها خلف عدد من المشاريع الوطنية الناجحة أهمها جامعة (كاوست). كانت مفارقة بالنسبة لي على الأقل، أن اكتشف أنني إلى الآن لم أزرها وظللت أكتفي بما تمنحه لي المخيلة من صور مفككة، إلى أن استدرجني الكتاب إلى هناك. ومن هناك كان لي إطلالة على مخلوق الفينيق الهائل القابع فوق الرمال، قلبنا النابض الهائل الذي يهدر على الشاطئ الشرقي. ومن هناك استطعت أيضا أن أتأمل كيف تبقى هذه الشركة العملاقة حريصة على مقاييس جودتها كمشروع وطني ناجح، حتى في أدق التفاصيل المتعلقة بتنظيم وإدارة الفعاليات وقاعة المحاضرات ،التجهيزات التقنية ،وفريق العمل من الشباب والشابات، بصورة عجز المحيط الإداري البيروقراطي المقنع بالكسل والخمول أن يجرها إليه، فظل هناك متفردا يرفع قوانينه الصارمة التي تبقيه بمنأى عن تلك المعدة الهائلة التي تبتلع الكثير من المشاريع الألمعية والوطنية وتفتتها وتأخذها للفناء. وأثناء مشاركتي بورقة عمل في ندوة اليوم العالمي للكتاب، كان باستطاعتي تقصي ملامح المشروع الوطني عبر مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، فهو أحد مشاريع أرامكو الكبرى المعنية بالشأن الثقافي، في الوقت الذي تبقى فيه الثقافة وتجلياتها دائما على الهوامش والأطراف في مجتمعنا، ولا تنال إلا فتات الإيرادات والميزانيات فلا أحد يكترث أو يؤسس لخطط تنموية على خلفية أن الفعل الثقافي هو محور رئيس في الفعل التنموي وصناعة الإنسان، وأن الأنشطة الثقافية هي أهم التجليات الحضارية لعصر المعرفة. لكن الحقيبة الثقافية لدينا مابرحت تكابد حالة إهمال وإقصاء بالاضافة إلى الطغيان الأيديولوجي الطامس للأطياف الملونة البراقة المبهجة التي يوقدها الفعل الثقافي في حياتنا. ندوة اليوم العالمي للكتاب لم تهد للفضاء الثقافي وردة.. لكنها استقطبت وعبر شراكتها مع (مؤسسة الفكر العربي) الكثير من الأسماء المميزة والفاعلة على المستوى المحلي والعربي. ولكن هذا الاستقطاب لم ينسها الاحتفاء بالتجارب الشبابية، التي بعد مشاهدتي توقدهم وحماسهم أمامنا شعرت بالأطمئنان فهؤلاء هم من سيقود الدفة في المستقبل، وهم من سيبقون معايير الجودة في مستوياتها المرتفعة كما لمسناها هناك. وعاد الكتاب من يوم احتفاليته عارما فخورا محملا بحقائب الهدايا التي أهمها إعلان مبادرة قرائية وطنية سيتبناها(مركز الملك عبدالعزيز العالمي) بهدف تفعيل عادة القراءة بين فئة الشباب وستستمر إلى شهر نوفمبر القادم. عدت من هناك أماشي سرب الغيوم الواعدة في السماء.. وأنا على يقين بأن أرامكو هي تجربة وطنية ناجحة يجب أن نستنسخها في الكثير من مؤسساتنا الخاملة.