يحصل الموظف العام بمجرد تعيينه على مجموعة من المزايا. أول هذه المزايا هو حقه القانوني في التقاضي إلى جهة مختصة وليس لأي أحد الحق في طلبه عن طريق الجهات الشرطية أو الأمنية لخلافات تتعلق بأدائه الوظيفي. يستدعي الاعتراض على سلوك الموظف المهني الرجوع إلى دوائر قضائية مختلفة تماماً. هذا الحال يحد من قدرة الآخرين على التقليل من قيمة الوظيفة العامة. أو التعرض لشاغليها، بل إن أي تشابك يحصل في مكان عمل الموظف العام يعطيه الحق الأصيل في الحماية. يأتي هذا بسبب مهم جداً، وهو أن الموظف العام ما هو إلا ممثل للدولة بشكل أو بآخر. يحصل الموظف العام على هذه الحصانة، وهو مطالب في الوقت نفسه باحترامها واحترام الجهة التي يمثلها. يؤسفني أن تكون هناك كثير من الجهات الحكومية التي لا تطالب منسوبيها بالحصول على دورات تأهيل أولي في حقوق وواجبات الوظيفة العامة. يدخل الموظف وهو لا يعرف حقوقه ولا واجباته، وبالممارسة يتعلم حقوقه، ولكن أحداً لا يوضح له واجبات الوظيفة العامة التي أعطته تلك الحقوق. وإذا كانت المزايا ""المعنوية"" التي تضمنها الوظيفة العامة لشاغلها كبيرة؛ فهي جزء من معادلة أكبر أو أكثر من معادلة في الواقع. إن حجم المزايا يجب أن يكون متوازناً في الجهتين المالية والمعنوية. أي أن الوظائف التي لا تقدم مزايا معنوية كوظائف القطاع الخاص يجب أن تقدم في المقابل مزايا مالية تعوض النقص الحاصل في المزايا المعنوية. بشكل أوضح لو قارنا بين موظفين يحملان المؤهل نفسه والخبرات نفسها، يعمل أحدهما في القطاع العام والآخر في القطاع الخاص فإنه يفترض أن يكون دخل موظف القطاع الخاص أكبر من دخل موظف القطاع العام. بحكم حجم المزايا الذي ذكرت هنا، وهذا في البيئات الاقتصادية الصحية، ولكن هل ينطبق هذا علينا؟ تشمل المزايا المعنوية هنا الحصانة الوظيفية وحق تطبيق التشريعات وساعات العمل الأكثر مرونة، وغيرها من المزايا التي تمنحها الوظيفة العامة. لكن المزايا التي يحصل عليها الموظف العام مرتبطة بالتزام قانوني تجاه من يخدمهم هذا الموظف؛ نظراً لكون الوظيفة العامة أنشئت لتقديم الخدمات للمواطنين. كجزء من منظومة متكاملة هي منظومة العمل العام أو الحكومة بتعبير تنظيمي. تتكون الحكومة من مجموعة من الوزارات والمؤسسات والهيئات التي يتولى كل منها جزءا من التزام الدولة تجاه المواطن. كحمايته وضمان أمنه وتوفير مسكنه وصحته وتعليم أبنائه وتوفير الخدمات المختلفة له، وحماية الوطن في الشكل الأشمل. يتطلب هذا أن تكون هذه الوزارات والهيئات والمؤسسات متناغمة وقادرة على تحقيق مهامها بشكل منفرد أو تعاوني مع جهات الحكومة الأخرى أو القطاع الخاص، خصوصاً في الدول الرأسمالية التي تحاول أن توفر الخدمات بطريقة تضمن تفوقها وسهولتها واستمراريتها وشمولها. يدفع المواطن في المقابل رسوماً تختلف من دولة إلى أخرى ومن وضع اقتصادي لوضع اقتصادي آخر، لكن السائد هو أن يدفع المواطن مقابل هذه الخدمات ما تعيش عليه مكونات القطاع العام. إن وجود أكثر من جهة أمنية أو تنظيمية أو خدمية في موقع واحد يستلزم إيجاد وسيلة لضمان استمرار التناغم بين هذه الجهات بحيث تقدم الخدمة بالشكل المطلوب، وتحقق الهدف دون عوائق أو إشكالات. هذا ينتفي عندما يتم العمل بأسلوب غير مخطط. عدم وجود قواعد التعامل وحدود المسؤوليات والصلاحيات يؤدي إلى واحد من إشكالات عديدة، منها: إحراج الحكومة: فعندما تعمل الجهات المرتبطة بالدولة في موقع محدد دون تنظيم وتنسيق يوزع المهام ويتعامل مع الطوارئ والأزمات، تظهر ثغرات يمكن أن تسبب مشاكل مستقبلية، أو يتصادم منسوبو هذه الجهات بطريقة تسيء إلى منظر الدولة بشكل عام وتعطي الانطباع بأن هناك تعارضا في مكونات الدولة. انقطاع أو تأثر الخدمة: إن تقسيم المهام هو أساس العمل المشترك، ويجب أن تكون هناك إجراءات عمل تضمن مواجهة كل المشاكل التي يمكن أن تعيق وصول الخدمة أو تقلل من فاعليتها وكفاءتها. إهدار الموارد: إن وجود أكثر من جهة في موقع واحد يستدعي أن تكون هناك ضرورة لوجود هذه الجهات، تفرضها صلاحيات الجهات أو الرؤية العامة للموقف، وهو يستند إلى المهمة الأساس التي أنشئت من أجلها تلك الجهات. الاعتداء على حصانة الموظف أو الوظيفة العامة: يأتي هذا نتيجة لوجود أشخاص يمثلون جهات معينة دون أن تكون لديهم واجبات وإجراءات عمل معتمدة ومتفق عليها من قبل جميع الجهات صاحبة العلاقة. يشمل توحيد إجراءات العمل تكليف كل جهة بإدارة ما يقع في مجال اختصاصها، فمن المنطقي ألا يتعامل رجل الشرطة مع حالة إسعافية في وجود مندوب من الهلال الأحمر مثلاً. لكن الإشكالية تقع عند حدوث الحالة الإسعافية أثناء وجود ممثلين عن وزارة الصحة والهلال الأحمر والخدمات الطبية لقطاع ثالث. هذا ما يجب أن تتعامل معه الإجراءات المعتمدة منعاً للإحراج أو انقطاع الخدمة أو التأثير في حصانة الموظفين المكلفين أو الجهة التي تتواجد في موقع تقديم الخدمة. حالات كالتي حدثت في الجنادرية قد تحدث في أي مكان، سبب حدوثها هو سوء الاتصال بين عناصر العمل العام، وتدني درجة الإعداد لحالة وموقع بهذه الأهمية. وهي في النهاية تسيء إلى القطاعات التي تشارك في تقديم الخدمات للمواطنين، وتؤثر في حصانة الوظيفة العامة.