عبد الله العلمي - الاقتصادية السعودية أول مرة كتبت فيها مقالاً عن الفساد منذ سنوات عدة "في صحيفة أخرى"، طلبت مني إدارة التحرير أن أتمتع بإجازة مفتوحة إلى أن تتم إعادة جدولة المقالات. فهمت الرواية. اليوم أكتب - ويكتب غيري - نحن نعلم أن سقف حرية التعبير قد ارتفع مع ارتفاع وعي المواطن بالشأن العام والاحترام المتبادل بين الصحيفة والكاتب للرقابة الذاتية والمتزنة. سقط هذا الأسبوع كاتب عدل جديد في قبضة الأجهزة الأمنية، بتهمة التورُّط مع "هامور" عقارات في تزوير صك أرض حكومية في جنوب محافظة جدة تبلغ مساحتها نحو 100 ألف متر مربع، وتتجاوز قيمتها السوقية مليار ريال. انتهى الخبر في الزميلة صحيفة "الوطن". القصة بدأت عندما ادّعى صاحب الصك المزوّر أمام المحكمة العامة ملكية أرض (تابعة لأملاك الدولة)، وأن شخصاً بنى على جزء منها، فأحيل الصك إلى وزارة العدل ومنها إلى محكمة استئناف مكة المكرّمة. بعد أن أجرت المحكمة دراساتها، أكدت النتائج أن "أبو عيون جريئة" كاتب العدل هو مَن أصدر الصك واعتمد أوراق ومحررات مزوّرة لتنفيذ صك الإفراغ المزوَّر. تم إيقاف كاتب العدل وتمت مواجهته بتقرير يثبت أن الصك مزوّر، ولا أصل له في سجلات كتابة العدل في جدة. طيب، ما حكاية "هامور العقارات"؟ يبدو أن "كامل الأوصاف" اتفق مع كاتب العدل على استخراج صك الأرض باسمه، رغم أنه ليس هناك أي إثبات بامتلاكه الأرض أصلاً أو أنه اشتراها أو حتى قُدِّمَت له كمنحة. قبل أن يشدو كاتب العدل بصوته الجميل "بتلوموني ليه" كان واضحاً أنه اعتمد التحايل والتزوير لاستصدار الصك عن سبق إصرار وترصد مقابل الحصول على مبلغ مالي (يسوى) متفق عليه مسبقاً مع الهامور العقاري. لعلي أضيف أن كاتب العدل ليس المتورّط الوحيد في هذه القضية، ولن أزيد لحين تأكدي من اكتمال بقية المعلومات. مجهود وزارة العدل في الحد من عمليات تزوير الصكوك تُشكر عليه، ولكنه غير كافٍ، مثله مثل الجهود الخجولة للوزارات الأخرى للحد من تعثر المشاريع، أو القضاء على الشهادات الوهمية، أو ترقيع أنابيب المياه المهترئة، أو وقف نشر العمالة الوافدة في الأسواق دون وازع أو رقيب. هذه ليست أول واقعة يُتهم فيها كاتب عدل بالفساد، في جدة تم الشهر الماضي اتهام كاتب عدل وثلاثة وسطاء ورجل أعمال بتزوير صك لأرض مساحتها أربعة ملايين متر مربع مقابل 60 مليون ريال موزعة بين وسطاء عدة. الادّعاء العام كان لهم بالمرصاد وأثبت بما لا يدعو للشك تورُّط كاتب العدل في قضايا تزوير أخرى مماثلة. قرار الإدانة جاء حاسماً بسجن كاتب العدل سبع سنوات وتغريمه مليون ريال. مع احترامي للقضاء، أعتقد أن العقاب أقل من بشاعة الجريمة. أليس التعيين في وظيفة كاتب عدل مقصوراً على خريجي كليات الشريعة فقط، وبالتالي فإن المُفترض من كاتب العدل المتهم بالتزوير أن يتحلى بأخلاق الشريعة الإسلامية السمحة؟