بعد مرور خمسة أعوام من تصريح معالي وزير العدل محمد العيسى اعتزام الوزارة تقنين زواج القاصرات بعدما رفضت محكمة إبطال زواج فتاة في الثامنة من عمرها من رجل يكبرها بخمسين عاماً أصدرت وزارة العدل مشروعًا لتنظيم زواج القاصرات, وهو بمثابة إقرار بزواج القاصرات؛ إذ اعتبر المشروع سن 16 سنة هو الحد الأدنى لزواج الفتاة, ولوليها أن يطلب من محكمة مختصة استثناء ابنته من السن المقرر على أن يقدّم تقريرًا طبيًا من لجنة مكوّنة من أخصائية نساء وولادة وأخصائية نفسية وأخصائية اجتماعية يُثبت اكتمال الصغيرة من الناحية الجسمية والعقلية, وأنّ زواجها لا يشكل خطرًا عليه, واشترط المشروع موافقة الأم والفتاة على الزواج, وأكّد على ولي الفتاة بعدم إتمام زواجها بعد عقد قرانها مباشرة وإنّما تعطى الفرصة الكافية لتهيئتها من الناحية النفسية وتدريبها لمتطلبات الحياة الأسرية. وعند قراءتنا لهذا المشروع نجد الآتي: 1- قرّر سن 16 سنة كحد أدنى للزواج, مع أنّ الفتاة في هذه السن لا تتحمّل الأعباء الزوجية والحمل والولادة لعدم اكتمال نُمّوها الجسدي الذي لا يكتمل إلّا إذا أتّمت سن 18 سنة, وهذا السن هو سن الرشد عندنا في المملكة, وهناك قرار لمجلس الشورى باعتماد سن 18 سنة كسن للرشد, إضافة إلى ما حدّدته المادة الأولى فقرة (ج) من اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية سن الرشد بتمام 18 سنة, , وهو ما أقرته أيضًا المادة (41) من نظام الإقامة, وعند تأملنا لقوله تعالى(وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) نجد أنّ الآية تُقرّر أنّه لا يحق للإنسان التصرّف في ماله إلّا إذا كان بالغًا رشيدًا, فمِن باب أولى أنّ يكون الزوجان بالغيْن رشيديْن ليقررا تكوين أسرة مستقرة, والرسول صلى الله عليه وسلم تزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها ,وهي ابنة تسعة عشر عامًا وليس تسع سنوات, وقد أثبتُّ هذا في دراسة نُشرت سابقًا, كما بيّنتُ أنّ آية( واللائي لم يحضن) تعني نساء لا يحضن لعلة فيهنّ, وقد ثبت ذلك طبيًا. كما أنّ تحديد حد أدنى لسن الزواج يستلزم توافقه مع اتفاقية الطفل التي تنص المادة الأولى منها «الطفل يعني كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة» وبمقتضى هذه المادة فإنّ كل من يبلغ الثامنة عشرة يعتبر طفلًا، وتسري أحكام الاتفاقية على من لم يبلغ هذه السن.. 2.لم يُحدِّد المشروع الحالات التي يطلب فيها ولي الفتاة استثناء ابنته من السن المحدد في المشروع ككبر سنه, وعدم وجود من يرعاها بعد وفاته, لوفاة أمها، أو لعدم ائتمانه عليها بعد وفاته أو خوفه عليها من إخوتها غير أشقائها بعد وفاته, وفي نفس الوقت تقدم لخطبتها شاب عشريني متميز يأتمنه عليها. 3.إنّ هذا المشروع لم يُحدد بداية سن ما دون السادسة عشرة؛ إذ جعله مفتوحًا, فقد يكون سن التاسعة وما بعدها. 4.إنّ هذا المشروع لم يُلزم الزوج إكمال الزوجة تعليمها, وهذا يتنافى مع فريضة التعليم التي أوجبها الإسلام على كل مسلم ومسلمة. 5.إعطاء ولى الفتاة حق إحضار التقرير الطبي الذي يُثبت أهليتها الجسدية والنفسية والاجتماعية لتحمّل مسؤولية الزواج والحمل والإنجاب, وهذا لا يحفظ حقها لأنّ هذا الولي قد يُحضر للمحكمة تقريرًا مزورًا, أو غير مطابق للواقع, وكان المفروض أن ينص المشروع على ان على المحكمة المختصة ان تكوّن لجنة مختصة من استشاريتيْن في طب النساء والولادة وأخصائية نفسية, وأخصائية اجتماعية. 6.لم يضع المشروع ضوابط للتأكد من هُوية الأم والفتاة عند أخذ موافقتهما على الزواج. 7.لقد تجاهل المشروع تحديد فرق السن بين الزوجيْن, بحيث يكون سن الزوج في العشرينيات ليكون مناسبًا لسنها, فالرسول صلى الله عليه وسلم أعتذر لأبي بكر رضي الله عنه عن تزويجه ابنته فاطمة رضي الله عنها وكذلك اعتذر لعمر رضي الله عنه لفارق السن بينه وبينها, في حين وافق على تزويجها لعلى بن أبي طالب رضي الله عنه لتقارب سنّه من سنها. إنّ حالات زواج القاصرات التي شهدها مجتمعنا السعودي كانت من مسنين من سن الخمسين, وما فوق, وطبقًا لما جاء في تقارير أطباء نفسيين:» أنّ زواج الصغيرة من مسن, يؤدي بها عند بلوغها النضوج إلى جرائم الخيانة الزوجية, أو قتل الزوج , أو الانتحار, أو إصابتها باكتئاب لعجز الزوج عن تلبية رغباتها .» 8. لم يحفظ المشروع حق الفتاة في الاحتفاظ بمهرها بجعله خالصًا لها, ولا يحق لوليها التصرّف فيه لسداد ديونه أو قضاء حوائجه رغم أنّ معظم حالات زواج القاصرات كانت بمثابة بيع الآباء بناتهم لمسنين بتزويجهنّ لهم لأخذ مهورهن لتلك الأغراض. 9.لم يتضمن المشروع أية عقوبة على ولي الفتاة إن خالف ضوابطه, مقررًا أنّ ولي الفتاة أحرص على مصلحتها, مع أنّ الذي يقدم على تزويج طفلة من مسن لا يمكن ان يكون حريصًا على مصلحتها, كما نجد المشروع اكتفى بمساءلة مأذون الأنكحة إن خالف تلك الضوابط, دون حرمانه من ممارسة المهنة, وهذا يعني أنّه لا توجد قوة إلزامية بهذا المشروع لخلوه من عقوبات عدم الالتزام به, وبذلك لن يطوى ملف تعسف الآباء وأولياء الأمور في تزويج القاصرات.