حين أوردت وزارة التربية والتعليم خبرا عن تعليق الرحلات المدرسية بعد حادثة سقوط الأطفال في ملاهي أحد المجمعات التجارية الشهيرة، لم يتضمن القرار فكرة واضحة المعالم بخصوص توجيه هذا النشاط التعليمي وتوظيفه بحيث يكون ملاذا للطالب للمعرفة والنشاط اللامنهجي، فقد كان قرارا عائما وليس حاسما بالإضافة إلى أن الوزارة لا تمتلك خيارات حقيقية لتفرضها على الكادر التعليمي لترتقي بالنشاطات والرحلات المدرسية. وبالتأكيد ليست وزارة التربية والتعليم هي المسؤول الأول عن إيجاد البدائل والخيارات الترفيهية. هناك أطراف كثر وآخرون مطالبون بتوفير متطلبات الأطفال. وزارة التربية، حين تركت مجالا متاحا للرحلات الترفيهية، تركت الأمر للمدارس ولتنظيمها ولرؤيتها، وبات الأمر عشوائيا واجتهاديا فوظفت الرحلات الترفيهية للمدارس لصالح أمور كثيرة لا تمت للترفيه وللتعليم بصلة؛ ففي فترة من الفترات تم اختطاف "الرحلات والمخيمات الصيفية والتعليمية"، وجند الأطفال لصالح أفكار ظهرت بعد وقت من الزمن وكان نتيجتها أن أصبح المجتمع مأزوما بفئات من الناشئة والشباب وما زال مأزوما بهم حتى يومنا هذا، واليوم تحولت الرحلات الترفيهية المدرسية إلى رحلات ذات طابع سطحي فارغ لا يتعدى الذهاب إلى محلات الوجبات السريعة والملاهي حيث استبدلت الرحلات والأنشطة المدرسية إلى الأماكن العلمية والتاريخية والتربوية برحلات لا تضيف لخبرات الطالب أية معارف تربوية أو اجتماعية. الرحلات تستهدف الآن الترفيه السيئ فقط، ويتناسى المشرفون عليها أنها جزء أساسي من العملية التعليمية، بالتأكيد لا يمكن تجاهل أهمية الرحلات المدرسية؛ لما يترتب عليها من تأثير نفسي إيجابي على الطلاب، ولكن حين يصبح تحقيق هذا الهدف غير معتمد نظاميا، فإن الكثير من الفوضى الخلاقة المبررة سوف تعم وتصبح لها ضحايا سواء على مستوى الأفكار والقيم أم على مستوى المعرفة، كل هذا يحدث تحت عنوان عريض ومصرح به وهو "الرحلات المدرسية". الأطفال هم ضحايا الكبار أينما كانوا؛ فهم أول من يلحق به الضرر. وفي الرحلات المدرسية كذلك، فلماذا يكون قدر رحلات الأطفال المدرسية، إما الموت نتيجة رداءة الصيانة في الأماكن الترفيهية، وإما الاختطاف الفكري نتيجة الرحلات المؤدلجة، وإما التسطيح نتيجة الشره المادي بدفع الأطفال إلى مطاعم الوجبات السريعة في رحلات تسمين منظمة. ولست أبالغ إن قلت إن حوادث ملاهي الأطفال ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فهذه الحوادث التي تحدث تكون نتاج إهمال وسوء صيانة، بمعنى أن مسؤولية هذه الحوادث ليست فردية، حيث إن المسؤول عنها هو مالك المجمع التجاري بل المسؤولية تراتبية وهرمية والجميع مسؤولون مسؤولية كاملة عن كل ما يحدث، وكل ما نطالب به هو وضع خطط منظمة لدى وزارة التربية والتعليم لتسمح بإقامة رحلات معرفية ترفيهية ذات معنى وذات بعد إنساني وتربوي وحماية الأطفال من رحلات الموت ورحلات التطبيع والتلقين.