الإدارة الجيدة والمتكاملة والمتوازنة في المؤسسات المختلفة بالقطاعين العام والخاص تصنع دولة قوية وتمضي بأعمالها وأنشطتها بصورة احترافية تستشرف أفقا واسعا ومضيئا يحقق الأهداف ويصل الى الطموحات، ودون منهج إداري قويم لا يمكن أن تعمل المؤسسات وأجهزة الدولة بصورة فاعلة وستتعرض لكثير من أشكال الارتباك الذي يؤخر ويعطل مسيرة التنمية، الواقع يقول: إن العمل الإداري لم يعد أمراً ثانويا بل هو واجب وضرورة مُلِحّة، المستوى الإداري لدينا في القطاع الحكومي ضعيف، والسبب هو عدم مواكبة التطور العالمي، وحين يقال نظام العمل الإداري فإن ذلك ينطوي على فهم إداري ينظر الى أداء المؤسسات بصورة مبسّطة وكأنها ماكينة تعمل ليل نهار من أجل الصالح العام للوطن والمواطن ،ولكن على القياس الإداري المتطور الذي يتحرك وفقا لمنهج علمي مواكب وقادر على التعامل السريع والمباشر مع التحديات والمعوقات. ولأن حصادنا منه متواضعٌ يجب أن يعاد تقييم أدائه ورفع مستواه المهني حتى يستطيع مواكبة هذا التطور الكبير الذي تشهده بلادنا من نمو وازدهار، وفي الحقيقة لا مناص من تقييم تجربة المعهد بعد نصف قرن من العمل وعدم حصولنا على وضع إداري متطور ومواكب نطمح إليه . في المملكة تأسس معهد الإدارة العامة منذ نحو نصف قرن لتأهيل وتطوير القيادات الإدارية وتزويد القطاع الحكومي بجرعات إدارية علمية تساعدها في النهوض والتطور، ولكن في الواقع ومن خلال ما نرى ونتابع فإن حصادنا من المعهد متواضع للغاية، وقياسا بما عليه التنمية الهائلة في بلادنا فإن النتيجة صفر كبير أو «لم ينجح أحد» ومن نجح فإن ذلك من كسبه الخاص بدراسة الإدارة أو الالتحاق بدوراتها المتقدمة في الخارج أو الجامعات، أمّا المعهد فليس له فاعلية أو تأثير في تطوير نظم ومناهج الإدارة، سواء كانت تقليدية أو حديثة، ولا نرى أحدا يرجع فضل تميّزه الإداري للمعهد الذي يبدو أن الزمن قد تجاوزه ولم يعد له دورٌ يقوم به وأصبح وجوده بمثابة تحصيل حاصل. المعهد في اعتقادي مؤسسة وطنية لتخريج الكفاءات الإدارية في المجالات المختلفة، ومتابعة تطوير وتطورات الفكر الإداري وإخضاع الملتحقين بدورات تدريبية مواكبة، وإنْ كان يفعل ذلك فحصادُنا هو الريح لأن دوراته وبرامجه محدودة الفائدة ، ممّا يجعل المتدرب أو الإداري ممنوناً للمعهد، حتى الدورات التي يمنحها معهد الإدارة قصيرة ولا تتواكب مع أعداد موظفي الدولة، معظم الموظفين يتقاعدون ولم يحصلوا على دورة تدريبية واحدة، والواقع أن هذه الدورات مكررة كلّ سنة بنفس المناهج تقريباً ،رغم التطور الذي يشهده عالم الإدارة إلّا أن معهدنا الموَقّر لم يواكب هذا التطور فهو يسير بنفس النهج التقليدي القديم، الحقيقة أن المعاهد الخاصة تفوّقت على معهد الإدارة بالكثير. كما أرجو ألّا يفهم من هذه الرؤية احتمال ضيق أو نقدٍ غير موضوعي لأداء المعهد ولكنها الحقيقة، خمسين عاما على تأسيس ولم نتقدم خطوة واحدة إداريا ،فالأداء الوظيفي لموظفي الدولة ضعيفٌ جدا رغم الميزانية الكبيرة التي تمنح للمعهد سنوياً ،الهدف الأساسي منها هو التطوير ولكن مع الأسف لم نشاهد شيئاً، ولو أجرينا قياسا لمخرجاته على مسار خبيرٍ إداري دوليٍّ لما وجدنا أن المعهد قد أضاف شيئاً يُذكر، ولأن حصادنا منه متواضع يجب أن يُعادَ تقييم أدائه ورفع مستواه المهني حتى يستطيع مواكبة هذا التطور الكبير الذي تشهده بلادنا من نموٍ وازدهار، وفي الحقيقة لا مناصَ من تقييم تجربة المعهد بعد نصف قرن من العمل وعدم حصولنا على وضعٍ إداريّ متطور ومواكب نطمح إليه، وعلى الجامعات أن تُمسك بزمام المبادرة وتنظر الى الإدارة من زاويتها العلمية وتفتتح كليات العلوم الإدارية إنْ لم تكنْ بها هذه الكليات.