من طبيعة الإداري التقليدي أنه يرفض النقد ويخاف المراجعة ويخشى التقويم ويستريب بالآراء المخالفة، وفي سبيل ذلك يحاول ما وسعه الجهد تغييب الحقائق ونفي الواقع وتكذيب أصحاب الآراء المخالفة والتشكيك في نواياهم ومقاصدهم، من ذلك ما جاء في تعقيب الإدارة العامة للتربية والتعليم للبنات بالقصيم الذي نشرته هذه الصحيفة في عددها رقم 13632 بتاريخ 17/9/1426ه والذي جاء رداً على ما كتبته من ملاحظات حول النمط الإداري السائد في تعليم البنات بالقصيم، فقد وردت عبارة «غير صحيح» في تعقيب الإدارة المشار إليه ست مرات، وهي حيلة لفظية يلجأ إليها كل من يضيق بالرأي الآخر في محاولة لصرف الموضوع عن مساره والتشكيك في صدقية الملاحظات، وبدلاً من العمل على تلمس مواطن الخلل ومكامن القصور يحاول التعقيب أن يصور الأوضاع كما لو أن كل شيء على ما يرام وهو أمر يصعب قبوله أو التحاور حوله، وحتى لا يتشعب الموضوع فإنني اختصر تعقيبي بالنقاط التالية: ٭ مقالي السابق كان موجهاً بالدرجة الأولى إلى وزارة التربية والتعليم وأخذت عليها إهمالها لفروع الوزارة وعدم الاهتمام بتطويرها وقلت بالحرف الواحد «فالملاحظ أن التطوير والاصلاح إن وجد يكاد يقتصر على جهاز الوزارة وإدارات المدن الرئيسة، أما بقية إدارات مناطق المملكة فيبدو أن غاية المطلوب منها هو تسيير العمل اليومي الاعتيادي بأي أسلوب كان، بل وكأن المطلوب منها هو ردم الفجوة بحيث لا يتسرب من هذه المنطقة أو تلك شكاوى أو اعتراضات من المواطنين أو الموظفين التابعين للقطاع نفسه، ومن المؤسف أن يُقاس نجاح الإدارات وقيادييها وفق هذا المنظور دون اعتبار لمستوى وحجم التطوير والإصلاح والإبداع الإداري في ميدان ينبغي أن يعايش تطوراً مستمراً ومتنامياً في كافة مستوياته ومجالاته» .. وهكذا فالمقال يعني صراحة أنني ألقي بالجزء الأكبر من الملامة في أوجه التقصير على الوزارة وكان الأحرى بإدارة التعليم بالقصيم بوصفها أحد الفروع أن تستثمر هذا التقريع الموجّه للوزارة وتطالب بالمزيد من الاهتمام والدعم والمساندة اللازمة لدفع وتنفيذ أجندة التطوير والإصلاح، لكن الذي حدث هو أن الإدارة هبت بخيلها ورجلها لتكذيب ما جاء في المقالة وحاولت الإيحاء للمسؤول بأن الملاحظات غير صحيحة وأن وضع الإدارة لا يحتاج إلى إصلاح أو تطوير وهو قول تناقضه تصريحات معالي وزير التربية ونائبيه والتي تؤكد على أن الوزارة عازمة على تنفيذ خطط طموحة لتطوير وإصلاح الخلل الموجود في قطاع التعليم بشكل عام. ٭ نفى المدير العام للإدارة د.عمر العمر في تعقيبه أن تكون الإدارة قد أجبرت المشرفات التربويات على الحضور إلى إدارة الإشراف التربوي وتوقيع الحضور والانصراف، وأكد في الوقت نفسه «أنه لا يكفي من المشرفة التوقيع في سجل حضور المدرسة مع المعلمات»، والحق أنني تمنيت لو أن د.العمر تجاهل هذه النقطة ولم يرد عليها. فقد أكد ما ذهبت إليه في مقالي السابق بأن الإداري التقليدي لا يعترف غالباً بالنوعية والجودة والكفاءة عند قياسه للأداء والإنتاجية وإنما يحتكم إلى الحضور والانصراف ويعتبرهما المعيار الرئيس في القياس والتقويم، ومن المؤسف أنه في الوقت الذي تتزايد فيه أصوات التربويين المطالبين بتعزيز أسباب التقدير والتكريم للمعلمين والمعلمات وإعفائهم من توقيع بيان الحضور والانصراف والتركيز على نوعية وجودة أدائهم ومستوياتهم، أقول من المؤسف أن يصدر تعميم تزود صحيفة رسمية بصورة منه ينص على إجبار «المشرفة» وليس «المعلمة» بتوقيع الحضور والانصراف في البيان الخاص بالمعلمات بالمدرسة، ولا أدري هل الأمر يعود إلى عدم الثقة بانضباط المشرفة؟ إن كان الأمر كذلك فهذه لعمري طامة كبرى إذ كيف تمنح المشرفة الثقة المطلقة في تقييم ومتابعة أداء المعلمات والمديرات وتطوير مستوياتهن في الوقت الذي ينظر إليها بالشك في حضورها وانصرافها؟ ثم هل فكر الذي أصدر التعميم بالأثر النفسي والمعنوي الذي سينعكس حتماً على المشرفة وهي تتسابق مع المعلمات التي جاءت لتقييمهن على توقيع الحضور والانصراف؟ ثم ما هي الآلية التي من خلالها تضمن الإدارة انضباط الحضور والانصراف بمعنى هل ستتولى مديرة المدرسة الرفع إلى الإدارة المختصة ببيان عن حضور وانصراف المشرفة الإدارية التي جاءت لتقييمها؟ إن هذا التعميم يعكس بجلاء النمط الإداري التقليدي الذي تدار به الإدارة وهو كما قلت نمط ممعن في تقليديته وبعيد عن أنماط الإدارة الحديثة بتجلياتها الإنسانية المشرقة. وما دام الحديث عن الحضور والانصراف فإنه يجدر بي أن أشير إلى أسلوب فريد تنتهجه الإدارة في متابعة المشرفات ومراقبة تحركاتهن، وهو أسلوب أحسب أنه خاص بإدارة الإشراف التربوي بالقصيم وربما لم يسبقها إليه أحد ولعل الإدارة ترفعه للوزارة لتعميمه على جميع الإدارات بالمملكة، هذا الأسلوب يتمثل في أن تقوم المشرفة صباح كل يوم وفي وقت مبكر بالاتصال بإحدى الموظفات الإداريات بالإشراف وإخبارها بوجهتها والمدرسة التي ستذهب إليها، وهكذا فإن جميع المشرفات اللائي يتجاوز عددهن ربما المائتين يقمن بهذه العملية يومياً ولأن تحويلات الهاتف الثابت لا يمكن أن تستوعب جميع المكالمات في وقت واحد فإن على المشرفة أن تحاول الاتصال بالهاتف الجوال لإحدى الموظفات لتسجيل حضورها، هذا الأسلوب يؤكد غياب التخطيط والتنظيم لمهام المشرفة ومسؤولياتها، وإلا فإن الأصل في عمل المشرفة هو زيارة المدارس والأمر لا يحتاج إلى ابتكار فالمشرفة ينبغي أن تقدم خطة عمل أسبوعية أو شهرية توضح فيها المدارس التي ستزورها وفي حال تغير هذه الخطة لأي سبب فإنه يطلب من المشرفة إخطار الإدارة بهذا التغيير وأسبابه. ٭ جاء في التعقيب أن تكليف المشرفات التربويات باستقبال المتقدمات لوظائف محو الأمية هو من باب التنظيم لاستقبال العدد المتوقع الذي يتجاوز الستة آلاف متقدمة، والسؤال المطروح هو هل من التنظيم أن يوكل أمر استقبال هذه الأعداد للمشرفات التربويات وفي الأسبوع الذي يسبق الدراسة؟ وهل من التنظيم أن يوكل الأمر قبل يومين فقط من بدء الاستقبال دون وضع آلية معينة وشرحها للمشرفات؟ ثم ما دام أن الإدارة تعرف أن عدد الوظائف المتاحة لا يتجاوز المئة وعشرين وظيفة وأن العدد المتوقع للمتقدمات سيتجاوز الستة آلاف متقدمة فلماذا تفتح القبول للجميع وهي تعرف مسبقاً أن القبول سينحصر في ذوات المعدلات العالية؟ وبما أن الوظائف على البند فلماذا لم تقصر التقديم على المندوبيات بحكم أن الوظائف تتوفر بالمدارس التابعة لها؟ إنها أسئلة كثيرة وموجعة، أما القول بأن إدارة شئون الموظفين وإدارة شئون المعلمات في الأقسام الرجالية لا يمكن لها استقبال المتقدمات من النساء فهذه حيلة لفظية أخرى يراد بها الابتعاد عن صلب الموضوع، وإلا فإن أحداً لم يقل بذلك، والمقصود - وهذا لا يحتاج إلى تفسير - هو أن يتولى الرجال استقبال الطلبات والتأكد من استيفاء الشروط من أولياء الأمور، فما دام أنه لا يوجد مقابلة شخصية مع المتقدمة فإن الأيسر للإدارة وللمتقدمات وأولياء أمورهن هو أن يكون التقديم من خلال الرجال عن طريق الإدارات الرجالية. ٭ أوضح التعقيب أن مركز التدريب قام بتدريب (1056) معلمة في السنة الدراسية الماضية، وهذا الرقم ليس له دلالة إلا بنسبته للعدد الكلي لمنسوبات الإدارة، أما القول بأن الدعم الذي حصلت عليه الإدارة من القطاع الخاص لدعم التدريب تم انفاقه بالاتفاق مع معهد تدريب خاص بهدف إعداد كوادر تدريبية للمركز فإنه كلام أقل ما يُقال عنه بأنه غير مسئول، فهل تعتقد الإدارة أن إعداد وتأهيل مدربات لا يكون إلا عن طريق الاتفاق مع معهد يملكه أساتذة جامعات وتقدم فيه الدورات عبر البث التلفزيوني، إن إعداد المدربة يخضع لمعايير ومقاييس إدارية وعلمية، وكان الأحرى بالإدارة أن تستعين بالإدارة المعنية بالتدريب والتطوير في الوزارة أو الاستفادة من التجربة المتميزة لمركز التدريب التربوي التابع لإدارة تعليم البنين بالقصيم، ومما يؤكد عدم الاهتمام بالتدريب التعميم الخاص بدورات معهد الإدارة والذي أصدرته الإدارة بتاريخ 11/6/1426ه أي في منتصف الإجازة الصيفية مع أن آخر موعد للترشيح للفصل الأول هو 28/6/1426ه أي قبل عودة المشرفات والمعلمات، فكيف يمكن الترشيح لدورة بعد انتهاء فترة الترشيح؟ ٭ أكد التعقيب أن التنسيق بين الإدارات النسائية التابعة للإدارة قائم لكنه لم يوضح نوعية وطبيعة هذا التنسيق، ومن المؤسف أن الإدارة تعتبر تكليف المشرفات باستقبال المتقدمات لوظائف محو الأمية نوعاً من التنسيق المطلوب، إن التنسيق والتعاون الذي أنادي به يتعلق بالعملية التعليمية والتربوية وتطويرها. ٭ أوضح التعقيب أن الإدارات والأقسام النسائية تعاني من نقص في ملاكها وأنها ليست ملاذاً للبطالة المقنعة، ولا أدري ما هي محددات ملاك الأقسام النسائية؟ وهل هناك أدلة مكتوبة للإجراءات والمهام والمسؤوليات المناطة بكل إدارة على حدة يمكن من خلالها تحديد العدد المناسب من الموظفات؟ ولأنني أروم الإصلاح وأنشد المصلحة العامة فإنني أرجو من الاخوة المسؤولين في الإدارة التأكد تحديداً من هذا القول وإعادة النظر فيه. وفي الختام أؤكد أنني سأكتفي بهذا التعقيب ولن أدخل في جدل عقيم ينحرف بالموضوع عن هدفه السامي الرامي إلى الاسهام في عجلة الإصلاح والتطوير التي تمثل شعاراً رئيساً للمرحلة الحالية التي تعيشها المملكة في ظل القيادة الرشيدة.