لا خلاف في أن معهد الإدارة هو أهم قناة في التنمية الإدارية، وبمرور نصف قرن على عمره ومن خلال قيادات أسّست وأعطت وتجاوزت المألوف في الانضباط الإداري، وتقديم الدراسات والأعداد الكبيرة من الخريجين في مختلف مناحي العلوم الإدارية، فإن ذلك يضعنا أمام أكاديمية متخصصة ربما كانت الأولى في المنطقة من حيث المناهج والتأهيل الشامل لهيئات التدريس والإدارة، وربما عالمياً، بهذا الحجم وقدرات التدريب التي شملت قطاعات حكومية وأهلية، وحتى عربية.. رعاية خادم الحرمين الشريفين للمعهد لا تكتفي بالدعم اللامحدود، وإنما بالقيمة التي جعلته أحد أهم الروافد في التنمية الإدارية والبشرية، وبالتالي فالمعنى يأتي بدلالات كثيرة أهمها أنه وسيلة التطوير والبحث في أهم الميادين التي تعتمد عليها الدول والمؤسسات المختلفة.. لكن إذا كان المعهد بأدائه وقدراته هدفاً أساسياً في الانتقال إلى ميادين علمية في العديد من الاختصاصات، فإن السؤال الذي يبرز دائماً، أن تأثيره على تطوير الإدارة الحكومية ظل متواضعاً، ولا يُعزى السبب له، وإنما إلى بنية الإدارة لدينا التي اعتمدت أسلوباً تقليدياً دخل علينا من أنظمة عربية ومواريث إقليمية، وأبقت المفاهيم وسير العمل وفق تلك المنهجية، والدليل أن النظم المالية وشؤون الموظفين، والتصنيف الوظيفي، والهيكل الإداري بما فيها نظم المستودعات وغيرها، بقيت على نفس مراحل التأسيس، وبالتالي صار التدريب في المعهد مجرد هدف للترقية، لا أكثر، في الوقت الذي استفادت الدوائر غير الحكومية من المؤهلين في مختلف الاختصاصات، ولعلنا، ونحن نخوض معركة التحديث بالإحلال التقني بدلاً من سيل المعاملات وكثافة السجلات، والدورة المتعرجة للمعاملات بين الدوائر وخارجها، وحتى الأسلوب الذي تُحرر به برتم ثابت، تجعل الضرورة في التحديث ليست مهمة المعهد وحده، وإنما التغيير في الهياكل الثابتة، خاصة وأن رسم السياسات والإنفاق ، وإعطاء الأوامر والتخطيط للمشاريع كلها تنتمي لمصدر الدولة وحدها، وطالما نحن نرتبط بهيئات داخلية وخارجية متطورة، فلا بد من إحداث تغيير بالنظم والكفاءات والانتقال من الأساليب القائمة إلى الإدارة الحديثة بكل اشتراطاتها المعمول بها في الدول المتقدمة.. الرعاية الكريمة، تندرج ضمن اتجاهات الراعي في التعليم والتطوير وفق عالمنا المعاصر، ومن غير الممكن تجاهل الدور الذي لعبه المعهد، لكن الكيفية بالاستفادة منه في التخطيط والتدريب لإحداث نقلات نوعية في الإدارة الحكومية، مهمة غير عادية.. وإذا كان التحديث طال العديد من المؤسسات والجامعات والإدارة الصناعية فإن التعاطي مع المنجز الحديث يفرض أن نضعه في مضمون أهدافنا العليا، حتى إن ما يُعاب على الأداء في الإدارة الحكومية وكثافة الموظفين والوظائف، جاءت كأعباء على الدولة بدلاً من أن تكون ذات عائد إنتاجي وعملي، ومع ذلك فمرور نصف قرن على تأسيس المعهد يحتاج إلى هذه الاحتفالات كشاهد على تطورنا في الميدان الأكثر أهمية عالمياً ومحلياً..