مشاري الذايدي - الشرق الاوسط اللندينة في لقاء مع صحيفة «الاقتصادية»، السعودية، تحدث نبيل الحمر، المستشار الإعلامي لملك البحرين، عن تأثير الإعلام في توجيه الرأي حول ما يجري في البحرين، وهل من غلب في النهاية هو رواية المعارضة أم غيرها؟ الجميل أن الحمر، وهو صاحب خبرة إعلامية، وصحافي قديم، ولديه تجربة حكومية، اعترف بوجود مشكلة كبيرة في التعامل مع الإعلام في هذه المسألة، وعندما سأله الصحافي المحاور، الزميل مقبل الصيعري، عن أن نصف المعركة في الإعلام، قال: «لا توجد معركة بمعناها الحقيقي، وإذا قلنا فيه معركة في البحرين، نعترف أنه كانت لدينا أزمة». ثم يستدرك: «كان يجب على كل الوسائل أن تستخدم وتستغل، والإعلام له دور رئيسي، كذلك السياسة الدبلوماسية، أيضا المواطن له دور في انعكاسات الأزمة، ونحن كان هناك نوع من التقصير وتم تداركه ليس من الناحية الإعلامية فحسب بل من جوانب دبلوماسية واتصالات». تحدث الحمر أيضا عن نشاط محازبي المعارضة، خصوصا في الخارج، بالمجال الإعلامي، وأنهم - كدولة - انتبهوا لهذا الخلل، خصوصا بعد اعتماد رواية المعارضة البحرينية الخارجية، من قبل كثير من الوسائل الإعلامية الغربية، والمحافل الأهلية، بل حتى بعض المناطق الخليجية، كما قال نبيل الحمر، وهنا دق الجرس، وتسارعت الجهود للنزول إلى أرض المعركة الإعلامية. الرجل، بحكم موقعه ومنصبه، لم يرغب في مصطلح «معركة» لكن الواقع «الخشن» يقول إنها معركة فعلا، والصراع فيها جلي على الاستحواذ على عقل وعاطفة المتلقي، ومحاولة كسبه للصف، وجعله نصيرا «للقضية» أو على الأقل محايدا. ليس الحديث عن البحرين، بل عن التكالب على الإعلام واستخدامه في الصراعات السياسية والمشاحنات الاجتماعية، وهو أيضا أمر قديم، أعني الاستخدام للإعلام، منذ فنون الهجاء والمديح، في الشعر العربي وغيره، وحتى عصر برامج «التوك شو» والفضائيات، ومعها حملات المواقع الإخبارية على الإنترنت، أو «هاشتاقات» ال«تويتر»، ومعهما مدونات وصفحات «فيس بوك».. ولا ندري عن المقبل من الصيغ الجديدة. كل هذه الصيغ الإعلامية، مجرد أوعية ووسائل، لترويج محتوى معين، هذه هي الحقيقة الثابتة، منذ أن كان الإنسان ينقش على جدران الكهوف، إلى أن أصبح ينقر على شاشات الآيفون والآيباد. لا ندري، على وجه الدقة لا التخمين، حجم وعمق دور الإعلام في المتغيرات العربية الحديثة، ودخولنا عصرا فوضويا لا ندري نهايته، هذا الدخول الذي كان موضع ترحيب وتصفيق وتشجيع من قبل كل، أو جل، الإعلام العربي، من شاشة التلفزيون إلى شاشة التليفون. عن الإعلام ودوره في التأثير على مجريات الأحداث، وتحشيد الأنصار، نقول لا ريب في هذا الدور، ونحن نراه رأي العين، ونلمسه لمس اليد، أما من يهيمن على هذا الدور ومن يخضع له، فدون معرفة هذا «بيد دونها بيد» كما قال حكيمنا المتنبي، والواقع أن الصورة متداخلة، ومسرح الإعلام فوضوي عبثي، تداخل فيه اليمين واليسار والوسط، والحكومي والثوري، واللامبالي، والحكيم والنزق، والجاهل والعالم، رعت الذئاب مع الحملان، في مكان واحد، والجوع يقرقر في بطون الذئاب، والحملان ترتع في عشب الإعلام الجديد، أفلا ننتظر بعد ذلك لحظة الانقضاض والافتراس والمشهد كله يغري الذئاب بهذا!؟ لقد تنبه من يريد تثوير المجتمعات العربية والمسلمة لأهمية الفوز بالحصة الإعلامية، منذ وقت مبكر، ونذكر هنا بالرسالة التي نشرت السلطات الأميركية نصها الكامل في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2005. بعد أن كانت نشرت ملخصا لها يوم 7 أكتوبر من ذلك الشهر، وهي رسالة أيمن الظواهري لأبي مصعب الزرقاوي، قائد «القاعدة» السابق، في العراق، الذي قتلته القوات الأميركية لاحقا، الرسالة مؤرخة بيونيو (حزيران) 2005، يقول فيها الظواهري ناصحا الزرقاوي حول أهمية استخدام الإعلام: «إن أكثر من نصف المعركة يدور في ميدان الإعلام». كما يتحدث الظواهري في تلك الرسالة عن أن العراق وإخراج الأميركيين مجرد خطوة في الطريق، وهو يجب أن يكون قاعدة للانطلاق وليس هدفا نهائيا، أو كما قال الظواهري إن هناك أهدافا «مرحلية»، وأهدافا نهائية؛ المرحلية هي إخراج القوات الأميركية، والنهائية هي إقامة الخلافة الإسلامية على امتداد بلاد الشام والعراق ومصر. وفعلا، أحسن الظواهري، ورئيسه أسامة بن لادن، وكل آلة «القاعدة» استخدام هذا السلاح الإعلامي، الذي روج لهم وأوصلهم إلى مناطق اجتماعية وطبقات بعيدة عنهم، وجعل أدبياتهم حاضرة لديهم. كان هذا الأمر قبل وجود صرعة الهواتف الذكية، ووسائط التفاعل الإعلامي المباشر، وذروتها الحالية تطبيق «تويتر»، وتحميل المقاطع على «يوتيوب». لم يكن لدى «القاعدة» حينها من منبر شهير إلا منبر قناة «الجزيرة»، وبعض مواقع الإنترنت التابعة لهم، الآن انفتح الأفق أمامهم، بحضور جماهيري حاشد ومتزايد، من قبل مرتادي هذه المواقع وفاتحي الحسابات فيها، من أصغر مراهق إلى أكبر شيخ، على صعيد واحد. هذا ما جعل شخصا مثل المطلوب من قبل السلطات السعودية، على ذمة «القاعدة»، إبراهيم الربيش يقول في مقابلة بثت قبل أيام، من مكانه في اليمن، يقول وهو يعلق على ما يعرف في السعودية هذه الأيام بقصة معتصمي القصيم، مطالبين بإطلاق سراح معتقلين، وهو سلوك جديد في مناصرة هؤلاء، حدث قبل ذلك في العاصمة الرياض وفي أماكن أخرى للمطالبة بإطلاق موقفين تقول السلطات السعودية إنهم في الإيقاف بسبب قضايا أمنية، أي قضايا تتعلق بفكر التيارات «الجهادية» كما يفهم المتابع، وليس بسبب قضايا حرية رأي، كما يراد للإعلام فهمه، وبكل حال فقد حسم المتحدث القاعدي إبراهيم الربيش الشرح بوصفه «عضو اللجنة الشرعية والقضائية لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب». حسبما عرفته مقدمة اللقاء الصادر عن «مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي» الذراع الإعلامية ل«القاعدة». الرجل قال بالنص متحدثا عما يجري في السعودية: «والسؤال الذي يجب أن نسأله: ما هو ذنب هؤلاء الأخوات؟ لو تتبعنا قضاياهن لوجدنا هذه ذنبها أن زوجها أو أحد محارمها من المجاهدين، أو أنها طالبت بفكاك أسيرها، أو أنها دعمت المجاهدين». ثم يعلق، وهذا موضع الشاهد هنا، على دور الإعلام الجديد في «نصرة» القضية، ويقول: «في السابق كانت القضايا الداخلية تخفى على الناس لكن الآن بفضل الله عز وجل ثم بوسائل الاتصال الحديثة أصبحت القضايا الداخلية تتداول». نعم: «تتداول»، هذا هو المهم عند هذه التنظيمات، المهم هو الرواج والحضور، والانتشار، فهذه «نصف المعركة» كما قال الظواهري من قبل، هذا نصر أن تتحدث عني، وتنشغل بي، حتى ولو كنت متحفظا أو معارضا، فهذا ليس مهما، على الأقل حاليا، المهم أنني دخلت إلى حيز تفكيرك، وجعلتك تعرف قضاياي، وتستخدم مصطلحاتي، وترهب أن تخالفني، أو تخفف من لهجة خلافك معي، بحكم «التداول» الكثيف، الذي يولد، حتما، مع الوقت تعاطفا أو «تفهما» لما أقوله، وبحكم الموجة الحالية، وطبيعة الانتشار اللانهائي لمحتوى موقع مثل «تويتر»، فإن من يلهث خلف الجماهيرية، وفقط الجماهيرية، سيجد حرجا في مجابهة هذا السيل العرم، ما بالك إذا كان «التغليف» الجديد لهذه القضية يتم تحت عنوان عصري وإنساني جذاب، وهو حقوق الإنسان!؟ أنا هنا لست أتحدث عن وجوب توفير الضمانات القانونية، ولا عن وجوب الإفصاح في المحاكمات، ولا عن أهمية سرعة البت في القضايا، فهذا أمر لا جدال فيه، وهو مطلب محق، ولكن أتحدث عن هذا التضخيم والاستغلال الإعلامي، الذي يجعل فضائية محسوبة على توجه الإخوان المسلمين في الخارج، تبث من لندن، تخصص شاشتها لساعات من أجل «تغطية» تصرفات مضخمة وأعداد مضروبة بمائة ضعف، وتلقي الاتصالات التعبوية، في حملة سافرة لكل ذي عينين. كل هذا يقود لسؤال أخير، بما أن حديثنا في جوهره عن دور الإعلام، ومن وحي حديث المستشار البحريني نبيل الحمر، وهو: أين الإعلام السعودي من هذا كله؟! بكل صيغه وصوره، أين هو من هذا المسرح!؟ وحينما نسأل عن دوره، فإننا لا نسأل عن الكلام الوعظي المعتاد، بل عن رؤية تعرف بالضبط ماذا يجري، ثم تعرف تماما كيف تتعامل مع ما يجري، حتى ولو كان بعض ما قد يعرف ليس على البال. هذا هو الحاضر الغائب في النقاش كله... [email protected]