علمني الأستاذ عثمان قراءة الكتب الجادة. الأستاذ عثمان من الرعيل الأول أو الثاني من المدرسين السعوديين الذين تم تخريجهم على عجل. ويمكن القول ايضا انه من الآباء المؤسسين لما يسمى بالدعاة والمحتسبين اليوم .. لم نكن نعرف من اين كان يأتي بأسماء الكتب المرعبة. لا يوجد في أيامنا تلك دعاة يطوفون بالتحذير. اقرب الظن أنه كان يسمعها من احد الأخوان المسلمين الذين بدأوا يتغلغلون في المعاهد والمؤسسات الدينية السعودية في ذلك الزمن. كان عثمان يدرسنا القواعد ومادة التعبير. ستعرف خطورة الموضوع الذي يتحدث عنه من عروق رقبته. إذا تحدث عن جواهر الادب تكون عروق رقبته هادئة ومطمئنة وملساء وفي اللحظة التي يأتي فيها على سيرة عبدالله القصيمي او طه حسين او احسان عبدالقدوس تنتفخ عروق رقبته وتتحول إلى مواصير مطاطية تهدد بالانفجار. حذرنا مرة من كتاب اسمه اللامنتمي. كلمة غريبة لم يسبق لأي منا ان سمع بها. سألناه عن معناها فغضب اشد الغضب ونهى عن مثل هذا السؤال. كان في جيبى حوالي اربعين ريالاً. في عصر ذلك اليوم ذهبت مع صديق إلى مكتبات البطحاء وسألنا عن كتاب اللامنتمي. من الواضح أن صاحب مكتبة الهداية لم يسمع بالكتاب ومن باب الاثارة سألناه عن كتب عبدالله القصيمي أو طه حسين أو احسان عبدالقدوس. ما ان ذكرنا هذه الاسماء حتى شاهدنا نفس العروق التي تظهر على رقبة الاستاذ عثمان . فسألنا على الفور عن جواهر الأدب. هدأ كأننا رششناه بمادة منعشة. قال هذي هي الكتب ولا بلاشي. ثمة شيء لابد من جلائه. تركنا مكتبات البطحاء التراثية والدينية وذهبنا إلى حراج بن قاسم الواقع في السكة الضيقة الفاصلة بين سوق بيع اسطوانات الأغاني وبين مسجد الجامع الكبير بالرياض. يحتوى حراج بن قاسم على كل شيء تريده. من القربة الجافة (الشنان) إلى كتاب اصل الانواع لدارون. سألنا اكثر من واحد من الباسطين بالكتب عن كتاب اللامنتمي. دلونا على شاب آخر عرف عنه تهريب الكتب الممنوعة. تفاهمنا معه واتفقنا على اللقاء في الليل وحسب الموعد استلمنا الكتاب. جلسنا انا وصديقي من بعد صلاة العشاء إلى الساعة العاشرة نقرأ ونتبادل الفهم دون جدوى. فاكتفينا بقراءة مقدمة المترجم التي قدم فيها شيئا عن المؤلف وآخر عن موضوع الكتاب. كان الكتاب يتحدث عن الفلاسفة والقديسين والشعراء وكثير من الرجال الذين كان لهم تأثير في الحضارة الإنسانية. هؤلاء الناس الذين خرجوا عن المألوف وجاؤوا بشيء جديد مخالف او مختلف لذا اطلق على واحدهم اللامنتمي. لم نفهم لماذا يؤدي مثل هذا إلى انتفاخ عروق رقبة الاستاذ عثمان او صاحب مكتبة الهداية في البطحاء فارجأنا الموضوع إلى صباح الغد. مجرد أن عرف الاستاذ عثمان أننا اشترينا كتاب اللامنتمي خرجنا نهائيا من الملة. اكتشفنا من هدير عضبه أنه لم يقرأ الكتاب ولا يعرف عنه شيئا البتة. سمع فردد. تحول الاستاذ عثمان إلى نكتة خارج الفصل وإلى دليل الكتب العظيمة داخله. أي كتاب يهاجمه نشتريه ونجتهد في قراءته. قرأنا بفضله نجيب محفوظ وعبدالله القصيمي وطه حسين وبرتراند رسل وداروين وديستوفسكي ومعظم الروايات المترجمة. يمثل الاستاذ عثمان في ذهني الحياة القائمة على الوضوح والصفاء والحلول التي تم ابتكارها لمشاكل لم توجد ابدا. الآن ضعْ ورثة الاستاذ عثمان من اخواننا المحتسبين دليلَك لأفضل الكتب في معرض الكتاب وعلى بركة الله.