مصدر الاشعاع الروحي على امتداد العصور، ومصدر النور المحمدي الذي يملأ الدنيا نوراً وخيراً وسلاماً.. مصدر الوحي الإلهي، الذي نزل على رسولنا الأمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله أجمعين.. ونحن نعيش هذه الأيام المباركة في شهر القرآن الكريم تهفو قلوبنا إلى مصدر الإيمان والتوحيد والسلام، فنقرأ كتاب الأديب الشاعر المفكر محمد كامل الخجا، افكار من المدينةالمنورة، ونعيش في صفحاته مع طيبة: مدينة النور، حيث يبعث أفكاره منها عن موقعنا من الحضارة ضمن الإطار العالمي، ومستقبلنا ومستقبل الإنسانية، وتفاعل الأمة العربية مع الحضارة ثم يتحدث عن طه حسين عميد الأدب العربي، فيراه "معلمة قائمة بذاتها" وقد "اجتمعت في شخصية العميد الفذة عدة عبقريات لم تتيسر لغيره من ذوي النبوغ والعبقرية كما يحدثنا عن زيارة طه حسين للمدينة المنورة، عندما وفد إليها ما بين عامي 1373ه و1374ه، حيث قضى يوماً فيها مع أعضاء المؤتمر الثقافي المنعقد آنذاك في جدة بدعوة من جامعة الدول العربية، وقد قدم الأستاذ الخجا إليه، الأديب الراحل أحمد عبدالغفور عطار، والشيخ ناصر المنقور رحمهما الله وقد حياه الخجا بقصيدة منها: اسمع العالمين لحن الخلود وأنر بالبيان كل الوجود يا معالي العميد جئتك أشكو حال... قوم لم يقتدوا بالجدود أيها القوم جددوا كل عزم واجمعوا بين طارف وتليد إنما المجد بالمعارف والإيمان لا بالتهريج ولا التقليد هو ذا صوت "أحمد" من وراء الغيب يدعوكم لدنيا الصعود فأهداه الملك فهد رحمه الله تعالى وكان وزيراً للمعارف وقتها ساعة ذهبية تقديراً واعجاباً. وبعد أيام أهدى إليه العميد كتابه "الأيام" مع عبارات تمنيات تقديرية، وفي مقدمة لديوان "الأمس الضائع" للشاعر حسن عبدالله القرشي رحمه الله تعالى إشارة لذلك.. وفي مؤتمر الأدباء العرب الثاني بدمشق بين عامي 1956 1957 ثم في القاهرة في نفس العام، تجدد اللقاء بينهما، وبعدها في فترات متلاحقة ما بين 1962 1964م، حظي خلالها الأستاذ الخجا بتشجيع العميد وحثه على متابعة الدراسات الثقافية العالمية المترجمة في لقاءات أسبوعية متلاحقة. ويذكر لنا الأستاذ الخجا حديث د. طه حسين في المدينةالمنورة في كلمة ارتجلها في معهدهم العلمي حيث قال رحمه الله: "أحس وأنا معكم هنا في المدينةالمنورة.. في كل شيء رحابة.. رحابة في النفس.. ورحابة في الروح.. ورحابة في البصيرة ورحابة في القلب.. رحابة تتسع للأرض والسماء.. لا القصور الفاخرة.. ولا الرياض الزاهرة.. ولا المال الممدود.. ولا الجاه العريض.. ولا السلطان المبين.. ولا التحكم في الرقاب.. يجلب السعادة.. إنما الجنة في النفس المطمئنة الراضية المرضية في أن تعيش النفس في سلام ومع السلام! وأنتم هنا في المدينةالمنورة.. مدينة السلام.. تعيشون هذا الاحساس.. ولقد وددت الاستطراد في الحديث ولكن أني لي هذا؟ والله سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) ثم يحدثنا الأستاذ الخجا عن أسلوب العميد، فيرى فيه "الأسلوب الأخضر" لأن تعبير "السهل الممتنع" لا يكفي في وصف أسلوب طه حسين، الذي "يمتاز بالبساطة الممرعة.. ألفاظ موسيقية عذبة الجرس.. مشحونة بالتعبيرات الشعرية والآراء الفلسفية المبتكرة.. والعميد يعرف كيف يزاوج بين الألفاظ الرقيقة التي تحمل المعاني العميقة". وهكذا يحدثنا الأستاذ الخجا عن الدكتور طه حسين، بأسلوب فيه من هذه الخصائص الكثير، إمتاعاً وتثقيفاً، نراه في هذا الحديث، وفي غيره من فصول الكتاب، حين يتحدث عن سمو الإنسان، ومعالم الوضوح في مثالية الإسلام والإنسان والعالم على أعتاب قرن جديد، وغيرها من الأفكار التي تتسم بالأصالة والجدة، وحسبها كما أطلق عليها المؤلف في عنوان كتابه أن تكون "أفكار من المدينةالمنورة" وهو الأديب الشاعر، صاحب المدرسة الفكرية التي تنضح بالصدق وتنطق بالحكمة، والخطيب المفوه الذي يهز المنابر إذا ارتجل، ويمتلك الأذان إذا ألقى شعراً. رئيس قسم الإعلام بجامعة القاهرة والمشرف الثقافي على جريدة الأهرام المصرية