إذا كان هناك فائدة أو معلومة في هذه الزاوية فالفضل فيها يعود إلى الأستاذ عثمان. كان هذا في ثانية متوسط. علمني قراءة الكتب التي يجب أن أقرأها. زودني بمعيار القراءة. انتهيت إلى قاعدة لم أحد عنها حتى يومنا هذا. لا يوجد كتاب ممنوع. كل الكتب يجب أن تقرأ. الوقت والحاجة هما الأساس في انتقاء الكتب. اكتشفت أن عثمان يحارب الكتب الجديدة وأن عثمان لا يمثل نفسه. كان غبيا لأنه لم يكن في حاجة إلى عقله. أصدر في حق نفسه قرار الاختناق. عندما سمع كلمة غريبة لم يصب بدهشة الاشتهاء والتشوق وإنما تحركت في داخله آلة الرفض الضخمة. بعد سنين تخيلت الضجيج الذي حدث في دماغه عندما سمع كلمة كولن ولسن. أبواب حديدية هائلة تغلق ، وضجيج أبواق الإنذارات تضرب أصداءها في الحيطان وبساطير جنود تقرع الأرض. تحول دماغه إلى سجن أمريكي هائل في لحظة تسلل أو هروب. كل كتاب غير كتب البطحاء ممنوع. لا أنسى ذلك اليوم البعيد عندما اقتحمت كلمة اللامنتمي رأسه كالدوامة. كلمة ليست في قاموسه. يكفي أن اسم كاتبها كافر. كولن ولسن والعياذ بالله. عجز عن أن يتخيل ما يمكن أن يتضمنه كتاب بهذا العنوان المبتدع. لم يدرب خياله على الكلمات الجديدة (ما وراء الطبيعة. ما بعد الحداثة). إغواء العنوان في غرابته. كان يجب أن يكون الأمر كذلك. الشوق للمعرفة أو التطلع للمجهول أو على الأقل الفضول. في داخل الإنسان آلات كثيرة تقود إلى الوعي والسعادة. تركتُ عثمان يتخبط في دهشته وذهبت إلى البطحاء. سألت أكثر من صاحب مكتبة. لا أحد يعرف عنه أي شيء. ازدادت أهمية الكتاب في نظري وتفاقمت رغبتي في قراءته. أسعدني هذا الإجماع بين الأستاذ عثمان وبين بائعي الكتب في البطحاء. جهل هؤلاء يدل على عظمة هذا الكتاب وخطورته. لكن أين أجده. كل الكتب في ذلك الزمن ممنوعة. لا يتوفر في السوق سوى قليل من كتب التراث الصفراء والكتب الدينية الضخمة التي تمزقت إلى كتب صغيرة بعدد أسماء الدعاة الذين انفجروا في وعينا خلال العقود الثلاثة الماضية.. لا أعلم من أين يأتي الأستاذ عثمان بالكتب الفاسدة ويحرمها علينا. عمليات تهريب الكتب محدودة. تعرفت على كل مهربي الكتب في حراج ابن قاسم. أخيرا حصلت على كتاب اللامنتمي. بالتهريب والدسدسة. قرأته. كان كتابا مشوقا. مليئا بكل الأسماء التاريخية . من القديس أوغسطين إلى عتاة الملحدين. لم أفهم محتواه. في تلك السن يدين الإنسان قدراته. بعد سنوات بعيدة عرفت أنه كتاب رديء. تجميع فوضوي لمعلومات وأفكار وأسماء . يكاد ينافس في فوضاه كتاب التلمود اليهودي . لكن هذا لا يهم. ما حدث هو المهم. قاتلت من أجل حرية عقلي. ما الذي كان سيحدث لعقلي لو أذعنت للسلطة التي كانت تسيطر على عقل عثمان. عندما أقرأ الردود على مقالاتي في الرياض الإلكتروني أتساءل كم واحدا من هؤلاء هو الأستاذ عثمان؟ أعتذر وعدت في العدد الماضي أن أكمل في الاثنين وكان المقصود الأربعاء.