ريهام أصبحت في قائمة المصابين بمرض الإيدز والسبب خطأ طبي، وحسب التصريحات الرسمية فإن هذه الشابة الصغيرة أو الطفلة الكبيرة عمرها 15 سنة، أدخلت إلى مستشفى جازان العام قبل أسبوع تقريبا لمعالجتها من مرض فقر الدم أو ما يعرف طبيا ب «الأنيميا» وكان أن تم نقل الدم الملوث بالإيدز إلى شرايينها بمعرفة المستشفى، والمصدر بطبيعة الحال بنوك الدم المحلية ومتبرعون تم فحصهم قبل التبرع، أو هكذا يفترض، وقد صدر بيان عن الشؤون الصحية في المنطقة يوضح ملابسات الموضوع ويعترف بوقوع الخطأ مع اعتذار لم يقبل لعائلة المريضة، والبيان حمل شخصا واحدا مسؤولية ما حدث ولم يسمه وقال بأنه يعمل على وظيفة فني مختبر، ولكن مساعد مدير الشؤون الصحية أكد وجود شخصين تدور حولهما الشبهات، والأسماء المتورطة مرشحة للزيادة في اعتقادي، والأحوال المعيشية لريهام وعائلتها متواضعة وتسكن العائلة في بيت شعبي، فوالدها حارس مدرسة وأمها فراشة وأشقاؤها الأربعة يعانون من نفس المرض، وقد توفي اثنان منهم وبقي اثنان، والأنيميا من الأمراض الوراثية وفرص الإصابة بها ترتفع في زواج الاقارب من الدرجة الأولى، والسلبيات الاجتماعية والصحية لهذا النوع من الزواجات معروفة ولا تحتاج إلى شرح، ومعادلة الحل ناقصة ما لم تضع هذه المسألة في حساباتها، والناس في جازان مستاؤون جدا ومعهم المسؤولون في الإمارة وفي وزارة الصحة السعودية، ووجه وزير الصحة بنقل المريضة إلى مدينة الملك فهد الطبية في الرياض بمتابعة فريق طبي وبتأمين سكن لها ولعائلتها، وشكلت لجنة تحقيق برئاسة مدير عام المختبرات وبنوك الدم وعضوية استشاري وبائيات ومحقق إداري، والمؤمل أن لا ينتهي التحقيق بإدانة خجولة لموظف ميكرسكوبي أو طبيب متعاقد وبعقوبات باهتة ولا معنى لها. الاخطاء الطبية ليست جديدة علينا، وأخبارها تتكرر كثيرا في الصحافة المطبوعة وفي غيرها، والمشكلة مزمنة وخطيرة، والدليل أن وزارة الصحة تجتهد حاليا في وضع نظام مراقبة لضبطها والتعامل معها، ولا توجد وعود مستعجلة بانتظار تطبيق النظام ومعرفة نتائجه، والمختلف في حالة ريهام هو أنها جمعت بين الفقر والمرض الصعب، ما يفسر نسيبا التركيز عليها والاهتمام بها، بافتراض أن الأوضاع المالية والطبقة الاجتماعية ربما لعبت دورا ولو بسيطا، والاحتمال مقبول لولا أن الاخطاء الطبية مشتركة بين المستشفيات العامة والخاصة وبين الطبقات الاجتماعية المختلفة، والفارق أنها حاضرة بصورة أكبر في المرافق الصحية الحكومية، ولست في مجال تبرير الخطأ الواضح والكارثي، لأن الرعاية الصحية تعتبر من الخدمات الأساسية في الدولة، وبعض الدول كبريطانيا توفرها بجودة عالية في مرافقها الصحية، رغم تواضع موازناتها بالنظر إلى القيمة الشرائية للجنيه الاسترليني وعدد السكان ومقارنة بدول قريبة وبعيدة. الميزانية المرصودة لوزارة الصحة السعودية في سنة 2013 بلغت 54 مليارا، ورواتب من يعمل في المرافق الصحية الحكومية يأخذ نصيب الأسد من هذا الرقم، وبالتأكيد التزامات الوزارة ومسؤولياتها سمينة ومتشعبة، والاحترام والتقدير محفوظ لوزيرها الدكتور عبدالله الربيعة، ولا يعفيها ما قلت من واجبها في مطالبة المستشفيات الحكومية بتقديم خدمات تتناسب، على الأقل، مع حجم ما ينفق على كوادرها الطبية والإدارية، وبدون أن تكون هناك نعومة في محاسبة المخالفين والمتجاوزين بالإنذار أو الغرامة أو لفت النظر أو التعزير الخفيف أو تسريح الصغار لحماية الكبار، ووجود الفساد في وزارة الصحة أو في بقية الوزارات أمر طبيعي ومتوقع، وعندما يخطئ فني المختبر البسيط أو يهمل في عمله فإن المسؤولية تبدأ منه مرورا بمن يشرف عليه ومن عينه وانتهاء بالإدارة المسؤولة عنه في الوزارة، ولا يمكن اعتبار الخطأ فرديا أو محدودا، مثلما نشر، ودخول الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان السعودية على الخط، يعطي مؤشرا بأن سقف المحاسبة لن يتوقف عند المتورطين المباشرين، والاحتمال وارد بأن تتجاوزهم لتصل لأصحاب مناصب مهمة في الوزارة..