حث المستر جيفري داوسون كلية "أوول سولز" البريطانية بأن تمنح توماس إدوارد لورنس إجازة مفتوحة بين عامي 1919-1920م للكتابة عن الثورة العربية ، وأفسح للورنس العرب السير هيربرت بيكر بأن يعيش ويعمل في منازله الواقعة في ويست منيستر ، ثم أخرج بيكر كتاب لورنس "أعمدة الحكمة السبعة" للامتحان عام 1921م حيث أنه كان محظوظاً بانتقاده من قبل الأصدقاء ، وهو مدين بشكل خاص للكاتب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو George Bernard Shaw (1856 – 1950م) وزوجته لاقتراحاتهما القيّمة الجمة والتي لا تحصى . في 15 آب 1926م ذكر لورنس العرب (1888 - 1935م) أنه لا يدّعي أن كتابه المشار إليه نزيه ، غير متحيّز ، فقد كان يكافح بيده للتغلّب على قاذوراته ، وهو يرجو أن يأخذه القارئ كقطعة سردية شخصية وليس كمذكرات ، إذ لم يكن باستطاعته أن يقوم بتسجيل مذكراته الخاصة مبرّراً أنه سيكون ذلك في الحقيقة نقض وخرق لواجبه تجاه العرب ! فيما لو جنى مثل هذه الثمار في حين أنهم (العرب) هم الذين حاربوا ، فرؤسائه الضباط: ويلسون ، جويس ، دوناي ، نيوكمب ، ودافينبورت .. كان بإمكانهم أن يرووا مثل هذه الحكايات ، وغيرهم العديدين مثل: يونغ ، لويد ، منينارد ، هورنبي ، بينيت ، ماسيندو ، ليسون ، ماكينز ، نونان ، وغيرهم ، وأن هناك العديد من القادة الآخرين أو المقاتلين المنعزلين الذين لم ينصفهم الكتاب بحق ، وأنه مازال هناك قليل من الإنصاف ، كمثل كافة قصص الحروب للذين اشتركوا وساهموا فيها ثم لم ينصفوا ، أو نسي وافتقد أثرهم فيها لغاية ما يمكنهم أن يكتبوا مذكراتهم ! يذكر لورنس العرب أن كتابه مصمّم لغاية التحرّر العربي من مكّة حتى دمشق ، فقد قصد منه تعقيل الحملة ، بحيث أن كل واحد يمكنه أن يفهم ويرى كيف كان النجاح طبيعياً ومحتوماً ، وكم كان الاعتماد ضئيلاً جداً على المساعدة الخارجية ، واقتصر على بضعة بريطانيين ، فقد كانت حرباً عربية شُنّت واقتصرت على العرب لتحقيق هدف عربي على الأرض العربية ! كما يذكر أن مشاركته الحقيقية كانت ثانوية ، ولكن بسبب طلاقة قلمه ، وحرّية الكلام ، وبراعة معيّنة ، فقد فاق على نفسه كما يصف ذلك بالخدعة الرئيسة ، وأنه في الحقيقة لم يكن لديه أي مهمة رسمية بين العرب ، فلم يكن معنياً بمهمة بريطانية بينهم ، وأن كل من ويلسون ، جويس ، نيوكمب ، داوناي ودوفينبتورت ، جميعهم يفوقونه ، إلا أنه يتملّق ويداهن نفسه بأنه كان صغيراً جداً ، وقد بذل قصارى جهده ، وأن ويلسون ، نيوكمب ، جويس ، داوناي ، بوكستن ، مارشال ، ستيرلنغ ، يونغ ، روز ، سكوت ، سبنس ، جيلمان ، جارلاند ، برودي ، بيك ، سكوت – هيجنز ، رامساي ، وود ، برايت ، جرينهل ، وغيرهم ، بذلوا أيضاً قصارى جهدهم . في تقديم كتاب "أعمدة الأحكام السبعة" يذكر لورنس أن صفحاته لا تعني أنها تشمل تاريخ الحركة العربية ، وإنما تعنيه مباشرة والدور الذي قام به ، وأنها عبارة عن يوميات مسردة للحياة ، أي أنها تعني ماذا كان يحدث؟ وتشمل نفر قليل من الناس ، فلا يوجد فيه دروساً لتقدّم العالم ، ولا كشفاً لأسرار قد تسبّب الصدمات للناس ، وأن كتابه مليء بالاحداث والأشياء التافهمة ، فهي إلى حدّ ما قد تكون محاولة لكتابة فصل من التاريخ ، وكمتعة منحت له ليستذكر دوره في الثورة العربية إلى حدٍّ آخر . يقول لورنس العرب في كتابه الذي مكث في تأليفه ثلاث سنوات: "إنني قمت بمحاولة بناء أمّة ، واستعادة نفوذها المفقود ، ولإعطاء عشرين مليوناً من الساميين الأسس لبناء قصر أحلامهم الملهم لأفكارهم الوطنية والقوميّة . ذلك الهدف السامي بزغ ثانية في أفكارهم النبيلة الموروثة ، وجعلهم يقومون بدورهم بسخاء في الأحداث التي جرت . لكن عندما ربحوا وفازوا ، فقد وضعت الاتهامات ضدّي بأن المصالح البترولية البريطانية في بلاد مابين النهرين (العراق) أصبحت مشكوك فيها ، وأن السياسة الاستعمارية الفرنسية قد خربت في المشرق العربي" ! ويذكر أنه قرر بالنسبة لعمله على الجبهة العربية أن يكون ذلك دون مقابل ، إذ أن الحكومة البريطانية التي حثّت العرب على القتال من أجلهم ، كانت مقابل وعود محدودة لإنشاء دولة عربية مستقلّة بعد انتهاء الحرب ، وأن العرب كما يقول يثقون بالأشخاص وليس بالمؤسسات ، فهم رأوا فيه عميلاً حرّاً للحكومة البريطانية ، وطلبوا منه العمل على تطبيق تلك الوعود المكتوبة من قبل الحكومة ، لذلك فقد كان عليه أن ينضمّ للمؤامرة ! وأن يقوم بإعطاء تأكيدات كلامية للرجال بأنهم يستحقون مكافئتهم ، وأنه خلال سنتين من العمل المشترك في ظلّ المعارك المستعرة ، فقد اعتادوا على تصديقه ويظنّون أن حكومته كمثله تماماً ! بأنها كانت مخلصة في وعودها ، وفي ظلّ هذا الأمل ، فهم قاموا ببعض الأمور الرائعة ، ولكن بالطبع فبدلاً من أن يكونوا فخورين بما قاموا به سويّة ، فإنه كان خجلاً باستمرار وبشدّة من نفسه !! كما يذكر كذلك أنه كان واضحاً منذ البداية ، في حال تم كسب الحرب ، فإن هذه الوعود ستكون عبارة عن ورقة ميّتة ، وكان لزاماً عليه كمستشار أمين ومخلص للعرب أن ينصحهم بأن يذهبوا لوطنهم وأن لا يخاطروا بأرواحهم في الخوض بحرب لقاء مثل هذا (...) إلا أنه طوّق نفسه بالأمل ، بالاشتراك في القتال مع العرب بشكل جنوني حتى النصر النهائي ، والسلاح مازال بأيديهم ، وهم في وضع مؤكد جداً إذا لم يكن مهيمناً أنه من الممكن أن تكون هناك وسيلة تقنع القوى العظمى بعدالة مطالبهم ، وبكلمات أخرى افترض عندما رأى أنه لا يوجد هناك زعيم في الساحة لديه نيّة بذلك أنه عليه أن يقوم بحملات سياسية ، وأن يكون قادراً ليس بهزم الأتراك في ساحة المعارك فحسب ، وإنما يكافح في بلاده وضدّ حكومته ومؤيديها في مجلسه العمومي واللوردات ، وقد كان افتراضه غير واضحاً بعد فيما إذا كان سينجح فيه ، إلا أنه كان واضحاً أنه لم يكن لديه نيّة لتوريط العرب في مثل هذا الخطر المجهول ، وخاطر بشكل مخادع ، على الرغم من قناعته أن مساعدة العرب لهم كانت ضرورية لانتصارهم الرخيص والسريع في الشرق ، وأنه كان من الأفضل أن يكسبوا الحرب ، وينقضوا تعهداتهم ، بدلاً من أن يخسروها! ويقول لورنس عن تلك الاحداث بأسى وحزن شديد: "إنني أخشى ، وآمل ذلك ، بأننا سندفع غالياً جداً لقاء هذه الأمور ، من شرفنا وسمعتنا وحياتنا . ولقد ذهبت إلى حوض دجلة (العراق) مع مائة من أعضاء جمعية (ديفونشاير) الإقليمية ، وهم من الشباب المتحمّسين الانقياء ، المفعمين بقوّة السعادة لجعل النساء والأطفال مسرورين ، وكان الواحد يرى من خلالهم كم من العظمة أن يكون واحداً منهم ، أن يكون إنجليزياً ، وكنا نرمي بهم في أتون النار ، إلى أسوأ الميتات ، وذلك ليس لكسب الحرب وإنما ليكون لنا بترول الشرق ، ومنتوجاته الزراعية . وكان المطلب الوحيد هو هزم أعدائنا (ومن بينهم تركيا) ، وهذا ماحققته في نهاية الأمر ، بخسائر تقل عن أربعمائة جندي ، إلا أنه حول وسائل القمع من تركيا إلى أيدينا " ! على أن لورنس العرب لا يخفي فخره الشديد من أن المعارك الثلاثين التي خاضها وقدّمها لم تكلّف أي إراقة دماء لجندي انجليزي !! حوى كتاب "أعمدة الحكمة السبعة" لتوماس إدوارد لورنس الشهير بلورنس العرب على 784 صفحة من القطع الكبير في 122 فصلاً دون احتساب الخرائط والصوّر الهامّة التي وضعها في نهاية كتابه الذي يحوي الكثير من المعلومات الثريّة والحقائق الهامّة التي تستحق أن يعرفها كل مواطن عربي .