شاهدت في أحد معارض الكتب العربية كتاباً عنوانه «مذكرات أمة» تعلو غلافه صورة واسم الملك عبدالله الأول بن الحسين فتصورته جديداً، وحرصت على اقتنائه بمجرد معرفتي أنه نشر مشترك لاثنين من مراكز البحث العلمي كونها تتسم بتطبيق القواعد الأكاديمية، لكنني فوجئت بعد اطلاعي على الصفحات الأولى من الكتاب بأن لدي نسخاً متعددة منه، وهو مجرّد إعادة نشر للآثار الكاملة لملك الأردن عبدالله الأول التي طبعت مراراً مجموعة أو متفرقة. صدر الكتاب في طبعته الأولى سنة 1430ه/ 2009م، ونشره المركز الوطني للوثائق والبحوث في أبو ظبي بالاشتراك مع مركز الوثائق الملكي الأردني الهاشمي في عمّان. ملاحظات منهجية على عمل الناشرين: - تم تغيير عنوان الكتاب إلى عنوان آخر «مذكرات أمة» مع بعض الإضافات والتنقيح، من دون بيان لذلك أو إشارة إليه، وأتصور أن في ذلك إيهاماً وتلبيساً على القارئ بمحتوى الكتاب، وكأن هذه المذكرات كتاب جديد، وهذا الأمر مخالف لأصول البحث والأمانة العلمية. - لم يشر القائمون على نشر الكتاب إلى الأصول المعتمدة في نشره، وهل اعتمدوا نسخاً مخطوطة لآثار الملك عبدالله أم نسخاً مطبوعة؟! وإذا كان الاعتماد على المطبوعة فما هي الطبعات المختارة التي اعتمدوها؟! وهل كان الاعتماد على طبعات الآثار الكاملة أم الطبعات المستقلة لكل أثر على حدة؟! وما هو سبب اختيارهم؟! ولا شك في أن تجاوز مثل هذا الإفصاح أمر غير مقبول ويتنافى مع قواعد البحث العلمي ويثير تساؤلات. - حذفت من الكتاب، خصوصاً المذكرات، أسطر وجمل وعبارات وكلمات، ولم يتم التصريح بهذا الحذف أو بيان سببه في الحاشية، بل اكتفى القائمون على الكتاب بالإشارة في الحاشية في عدد محدود جداً من مواضع الحذف إلى وجود النص في الآثار الكاملة للملك عبدالله، ولكن، من دون تصريح بالحذف أو بيان لطبعة الكتاب المحال إليه أو ذكر لرقم الصفحة. - إن أغلب الحذف الذي أشرنا إليه كان يستهدف النصوص المتحاملة أو المسيئة للسعوديين أو (الوهابية)! والتي تتضح من خلالها الضغينة التي ربما كان المؤلف يحملها في وقت من الأوقات، ومن الطبيعي أن يكون لها تأثير في مدى حياديته وبالتالي في درجة الموضوعية والموثوقية في مؤلفاته. ولا شك في أن الحذف بهذه الطريقة محاولة لإضفاء رداء الموضوعية والتجرد على هذه المذكرات ويكسبها مزيداً من الثقة. - لم يلتزم القائمون على الكتاب بتوثيق المعلومات التاريخية الواردة فيه أو العمل على تحقيقها أو تدقيقها على الأقل، بل نشروها كما هي في طبعات الآثار الكاملة الأخرى، إلا ما قاموا به من بتر وحذف وتقليم وتهذيب - أو بمعنى أصح تعمية لبعض المعلومات المسيئة التي ربما رأوا أنها غير لائقة أو مثيرة - خصوصاً أن الكتاب مشروع مشترك لمركزين علميين مختصين للبحوث والوثائق! وعلى رغم ذلك فقد فاتهما - بقصد أو بغير قصد - ذكر معلومات أخرى مسيئة ومثيرة! - يقول الناشران في المقدمة ما نصه: «وتتجلى الحقائق بين يدي الكتاب والتي أدلى بها المؤلف في بواكير الأحداث... لقد ألم الملك عبدالله بن الحسين بأحوال الأمم والدول والمبادئ والأفكار التي أقامت عليه أنظمتها... أما الواقع... فيكشف عن شخصية فذة لا تخشى في الحق لومة لائم...». الوصول إلى الحقائق التاريخية أمر في غاية الصعوبة، ولكن الباحثين يسعون إليها وربما وصلوا إلى جزء منها وربما لم يصلوا! فالقطع بأن الحقائق تتجلى بين يدي كتاب معيّن لطرف غير محايد، هو كلام جزافي لا يتفق مع الأعمال العلمية الرصينة! - يعمد المؤلف إلى المبالغة المفرطة بالإطراء في حديثه عن نفسه أو أسرته، فوالده هو المنقذ الأعظم! وإخوته هم أعمدة النهضة العربية! وهذه المبالغة جنوح إلى الهوى وميل إلى الذاتية، ومن المرجح أن ذلك سيؤدي إلى البعد عن الموضوعية. - إضفاء شخصية البطل على صاحب المذكرات في مجمل أحداثها فهو سبب تعيين والده شريفاً في مكة! وهو سبب الثورة الرئيسي حيث كان ضابط الاتصال مع الإنكليز! وهو الذي فرض على والده المبايعة بالملك! وهو سبب تسليم المدينةالمنورة في زمن الثورة! وهو الذي اتجه إلى معان لإنقاذ سورية من الفرنسيين! وهو المخلص الوحيد لقضية فلسطين! وهو سبب إعلان ابن سعود سلطاناً على نجد! وهذا السلوك السائد في المذكرات الشخصية عموماً يؤكد عدم تجرّد صاحبه من نزعة الأنا ما يجعل التشكيك في صدقيتها أمراً وارداً. - التجني والافتراء على الخصوم، كما قال الزركلي (4/ 82) في وصف المذكرات: «وفيه أوهام ومفتريات». ونلاحظها بخاصة عندما يتحدث عن (الوهابية) أو السعوديين، فهو يرميهم بأقذع التهم ويعمل على التقليل من شأنهم إلى درجة متطرفة من دون أدلة ولا براهين تثبت كلامه، وفي ذلك بعد عن الحقيقة وعن الأصول العلمية. - تصريح الملك عبدالله المستمر بأنه يملك الحقيقة وحده! مثل قوله في (ص 11): «... وما دمنا على قيد الحياة فقد أحببنا ذكر ما شهدناه وما هو في علمنا من حقائق الوقائع كي لا يكون عرضة للتشويه...». والحقيقة مطلقة لا يمكن تقييدها بأقواله وحده! بخاصة أنه خالف الحقيقة التي وثقتها المصادر التاريخية في مواضع كثيرة من آثاره المتعددة! الجزء الأول أولاً: الأمالي السياسية: 1 - قال في (ص 13): «... واضطرت الحالة حينذاك إلى إيجاد التفاهم المبدئي بين إنكلترا وبين الأمة العربية بوساطة أمير مكة وعن استخدامي فعلاً في هذه المهمة الدقيقة». ولا أدري حقيقة تمثيل أمير مكة للأمة العربية في ذلك التاريخ، بخاصة أن كثيراً من الأمراء العرب غير تابعين له وعلى رأسهم ابن سعود في نجد وابن رشيد في حائل وشيوخ الخليج وعمان وسلاطين اليمن وأئمتهم! فمن هم العرب الذين فوضوا أمير مكة للتفاوض مع الإنكليز للقيام بثورته ضد الدولة العثمانية سنة 1334ه ؟! فإطلاق الكلام في مثل هذه المعلومات التاريخية يحتاج إلى توثيق كما يحتاج إلى دليل وبرهان. 2 - ذكر المؤلف في (ص 24) حديثاً ينسبه إلى تشرشل بأن ابن سعود من طلاب عرش العراق الأربعة... ويشير إلى إمكان ابن سعود دخول مكة في ثلاثة أيام، ثم يورد رده على تشرشل: «فيما يتعلق بجلالة الملك ابن سعود فإنه من الممكن دخوله ويمكن أيضاً عدم استطاعته الوصول في ثلاثة أيام، ولكن حررنا العرب، فإذا أرادت الأمة أن تمنح هذه الأمانة وهي حريتها لبيت كبير من بيوتات العرب غير بيتنا فهو حق العرب، ولكن كيف تعتبرون ابن سعود الآن؟ أهو ملك مستقل أم سلطان أم شيخ عشيرة؟!» ويذكر أن تشرشل قال إنه لا يستطيع الرد على سؤاله حتى يسأل الوزارة! ثم يعقب «وعقب هذا أعلن جلالة الملك ابن سعود نفسه سلطاناً على نجد وكانت هذه خدمة جليلة مني لنجد حيث حصل من الجانب البريطاني على الاعتراف بهذه السلطنة العربية...». وقد كرر المؤلف هذا الحديث أيضاً في المذكرات (ص 144)، لكن القائمين على الكتاب تصرفوا في النص هناك حيث حذفوا تساؤل الملك عبدالله عن نظرة الإنكليز إلى الملك عبدالعزيز عندما قال: «ولكن كيف تعتبرون ابن سعود الآن؟ أهو ملك مستقل أم سلطان أم شيخ عشيرة؟!» حذفوه هناك لكنهم أثبتوه هنا! الأمر الآخر أن حديث الملك عبدالله عن دوره في اعتراف بريطانيا بسلطنة الملك ابن سعود لم يتكرر، حيث لم يرد في المذكرات (ص 144) من الكتاب نفسه، على رغم أهمية هذا الدور لصاحب المذكرات، ولعل عدم وروده كان بسبب النسيان! والمفترض أن يكون للملك عبدالله دور في عدم اعتراف بريطانيا بابن سعود وليس العكس! وعلى كل حال كان يجب في مثل هذه المسائل التاريخية الحساسة تقديم الأدلة والبراهين التي تدعم أقواله وهو ما لم يفعله! لذا، فكلامه مردود عليه، لأن اعتراف بريطانيا بسلطة ابن سعود على نجد والأحساء وملحقاتها كان سابقاً لحديثه مع تشرشل بأكثر من خمس سنوات، وهو ما تثبته نصوص معاهدة دارين سنة 1334ه/ 1915م! ثانياً: المذكرات - حذف قول صاحب المذكرات في حديثه عن الحج من موضعه في (ص 56) حيث جاء النص في كتابه (مذكراتي) متضمناً كلاماً مسيئاً إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه، كما حُذف قول آخر كسابقه من موضعه في الصفحة نفسها. وعلى رغم ذلك لم تتم الإشارة إلى هذا الحذف؛ وهو ما يبعث على التساؤل عن مدى تطبيق مراكز البحث العلمي معاييرَ البحث العلمي؟! والحقيقة أن في كلامه المحذوف خفية افتراءات واضحة وسباً صريحاً لدعوة الشيخ محمد عبدالوهاب وشخصه ولكل من سار على مذهبه، وفي هذا دليل على مشاعر الملك عبدالله العدائية الصريحة نحو الدولة السعودية في تلك الفترة، الأمر الذي قد يشكك في صدقية هذه المذكرات ويجعلها تصنف ضمن المصادر التاريخية غير المحايدة! وكان بإمكان القائمين على الكتاب إثبات النص كما هو والتعليق عليه في الحاشية كما تقتضي أسس التحقيق ومبادئ البحث. - جاء في (ص 61) تحت عنوان (قائم بأعمال الإدارة) ما نصه: «توجه الوالد إلى نجد للنظر في مسائل عشائر الحجاز الذين كانت تتخاطفها رغبات أميري نجد ابن سعود وابن رشيد... فكان هنالك حادث القبض على الأمير سعيد [كذا] بن عبدالرحمن بن سعود وهو يُذْكي (الصحيح: يزكّي) عشائر عتيبة ثم تم إطلاق سراحه وعاد الوالد» ويلاحظ الخطأ في المعلومات كتخاطف العشائر الحجازية أو اسم شقيق الملك عبدالعزيز (سعد) إلا أن المستغرب هو التغيير في النص من دون الإشارة إلى ذلك! مع العلم أن التنويه بتاريخ هذه الحادثة التي وقعت عام 1328ه أمر جدير لم يهتم به القائمون على نشر الكتاب! - قال المؤلف ضمن حديثه عن مقدمات الثورة (ص 95) إن الحسين أجاب الدولة ببرقية عندما طلبت إرسال المجاهدين وإعلان الجهاد المقدس من مكة باسم الخليفة على روسيا وإنكلترا وفرنسا... طلب فيها وجوب إرضاء العرب ليقوموا بواجبهم بإخلاص حتى يبعث بالمجاهدين إلى الشام ويبعث أحد بنيه إلى العراق بعد أن يقضي على أي زعامة غير موالية بشرق الحجاز وأن على الدولة التأثير في ابن رشيد بأن ينضم للجهاد. وهو الأمر الذي يشير بجلاء إلى نوايا الشريف حسين ضد آل سعود وتخطيطه للقضاء على دولتهم بدعم الدولة العثمانية قبل الثورة العربية؛ فلا وجود لزعامة غير موالية شرق الحجاز في تلك الأثناء إلا لآل سعود. - قال المؤلف (ص 115): «... فإن فكرة إزالة صاحب الثورة والدي - رحمه الله - كانت قديمة وكانت الطريقة البريطانية في التمكين لابن سعود غاية في الإتقان فقد سبق وتعهدت بريطانيا بأن لا تدع ابن سعود ولا سواه من الأمراء العرب الذين لهم صلات بحكومة الهند أن يقفوا ضد الثورة العربية حتى تتم، وإنه لا ينبغي لصاحب الثورة أن يضمهم أو يلحقهم بالحركة العربية لأنهم تابعون لحكومة الهند، غير أن بريطانيا أعلنت حيادها عندما صال ابن سعود فيما بعد على الحجاز، وألزمت العراق وشرق الأردن بذلك الحياد إلزاماً. وفي هذا... الإشارة اليسيرة لميول لورنس وما تكشف عنه». والحقيقة أنه قد تم التصرف في النص الأصلي الذي ورد في طبعات المذكرات المستقلة بطريقة تظهره في صورة موضوعية رصينة، في حين أن النص الأصلي يتضمن أوصافاً عدائية لأتباع ابن سعود، كما يتضمن معلومة تاريخية مهمة حول علاقة ملك العراق فيصل بن الحسين بوالده! ولا شك في أن في تعمية النص الأصلي وتحريفه تأثيراً في الأمانة العلمية للقائمين على النشر. - تضمن الكلام معلومة تاريخية خاطئة في اتهامه خالد بن لؤي بقتل شقيقه (بعيجان)، فالمصادر التاريخية تؤكد أنه لم يقم بقتله، وإنما قتله أحد الإخوان المرابطين في الخرمة ردءاً لخالد بن لؤي لسبب غير واضح، وقد أشار العبيّد في «النجم اللامع» إلى قصة قتله مبيناً أن اسمه ناصر ولقبه (بعيجان) وأن قاتله هو (سعد بن سهل) من الروسان جماعة خالد بن جامع، كما ألمح إلى أن قتله كان موجعاً لأخيه خالد ومحزناً له، وليس كما أشار المؤلف! كان جديراً بالقائمين على نشر (مذكرات أمة) محاولة التأريخ لمعركة تربة وأمثالها من الأحداث الهامة لأنها ترد في المذكرات من دون تحديد لتاريخها! وقد وقعت هذه المعركة سنة 1337ه/1919م. - أشار إلى أنه كتب كتاباً إلى أمير نجد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (لم يورد نصه) [ص123] يخبره فيه بانتصارهم في المدينة وبانقضاء حكم الأتراك في البلاد وبأنه متوجه لتأديب خالد بن لؤي الذي خرج عن الطاعة وليس له مقصد آخر وأنه من الساعين لإيجاد الصداقة والولاء بينه وبين والده. ثم أشار إلى عدم رغبته في التوجه ولكن والده أصر على توجهه إلى الخرمة للقضاء على هذه «الحركة المفسدة»، وفي حين لم يرد هنا نص الكتاب أو تاريخه فقد نشره الريحاني (وكان مؤرخاً في 13 ربيع الآخر 1337ه ويظهر من خلاله تعريض بالتهديد، وأشار الريحاني إلى أن ابن سعود جاوبه مهنئاً وداعياً للتفاهم، فرد عليه عبدالله بن الحسين بكتاب في 3 جمادى الثانية 1337ه يظهر فيه المودة واستعداده لتسوية الأمور بين والده وابن سعود). - أورد المؤلف [ص 124] نص كتاب الملك عبدالعزيز على الصورة التالية: «بلغني أنك جئت تجر الأطواب والعساكر تريدنا بنجد وحنا ما عندنا بنجد إلا الرمث نتظلل به حنا وعولاتنا. فأنت أعلم أن أهل نجد كافة جاءوك يمشون، مراتهم تسبق رجالهم من أقصاهم في الشمال وأدناهم في الجنوب. وأنا خرجت ونزلت الصخة. وعليه فأنت (انكفئ) لديرتك فإن فعلت فأنا أمنع الأخوان، وإن لم تفعل فبصرك بنفسك»، ثم أورد نص إجابته على عبدالعزيز طالباً منه مخابرة ولي الأمر بمكة. ويلاحظ على كلام المؤلف ما يلي: أولاً: لقد تعرض كتاب الملك عبدالعزيز إلى التغيير في أكثر من موضع مختلفاً عن صورته الأصلية التي جاءت في (مذكراتي) ص164. هذه الاختلافات، وفيها ما هو جوهري، تغير المعنى بحذفه وعلى رغم ذلك لم تتم الإشارة إلى التغيير أو الحذف!! ثانياً: تجاهل تواريخ الرسائل المتبادلة دليل على عدم الدقة أو الثقة في المعلومات الواردة، لأن التأريخ يساعد على ربط الأحداث وتفسيرها. - قال المؤلف [ص125]: «ومضت أيام فإذا بجموع الوهابية تصل الخرما وتجتازها إلينا... وبعد ليال ثلاث جاءوا بمجموعهم... عشائر مطير الدويش ومن معه، وعشائر حرب وعشائر عتيبة وعشائر الدواسر وعشائر قحطان وكافة سبيع أهل نجد والسهول وسبيع أهل الوديان يزاحمون الخمسة والعشرين ألفاً، وكانت القوى التي معي خمسمئة والجند من أهل الحجاز والأرهاط المكتوبة ثمانمائة وخمسين فصبحونا بالخرما، وكانت الملحمة حيث استشهد من الأشراف ثلاثة وخمسون في صفنا ولم ينج من النظاميين إلا ثلاثة ضباط... والذي سلم من القوة العربية الحجازية مائة وخمسون رجلاً... وكان قتلاهم فوق السبعة آلاف...». ولي على هذا الكلام ملاحظات: أولاً: كعادة الناشرين تم التصرف في هذا النص بطريقة تفتقد الأمانة العلمية، حيث جاء النص في (مذكراتي) ص 165 على غير هذه الصورة وعلى رغم ذلك لم تتم الإشارة!! ثانياً: تضمن كلام المؤلف هنا في تقديراته لأعداد قوة الجيشين مغالطات هي عكس الواقع تماماً، بل هي تناقض ما ذكره المؤلف نفسه، فقد أورد كلام والده ص123: «وإن معك من القوة ما لو قاتلت بها كل العرب لتغلبت عليهم»، كما أن المصادر التاريخية تجمع على تفوق الجيش الهاشمي عدداً وعدّة على جيش الأخوان حيث تتعدد الروايات، ففي حين يذكر العبيّد أن عدده كان ثلاثة عشر ألفاً، ويؤكد العثيمين أنه أكثر من عشرة آلاف، كما أشار العثيمين في مصدر آخر أنه لا يقل عن سبعة آلاف، أما الملك عبدالله نفسه فهناك من روى عنه شخصياً قوله: انه كان معه من مكاين الرشاش والمدافع والجند المنظم عدد لا يقل عن الثلاثة آلاف ومعه ما لا يقل عن ثلاثة عشر ألفاً من أهل البادية. في حين ذكر العثيمين أن عدد جيش الإخوان بين الثلاثة آلاف والأربعة آلاف، كما ذكر العبيّد أنه ثلاثة آلاف وخمسمائة، في حين يشير الذكير الى أنهم لا يتجاوزون الألفين، بينما قدر المختار عددهم ب (1500 مقاتل فقط). ولا أدري بعد ذلك كيف أصبح عدد جيش الإخوان خمسة وعشرين ألفاً؟! وعدد الجيش الهاشمي ألفاً وثلاثمائة وخمسين!! ثالثاً: أشار المؤلف إلى أن الناجين من جيشه كانوا مائة وثلاثة وخمسين رجلاً، أي أن القتلى كانوا ألفاً ومائة وسبعة وتسعين قتيلاً، كما ذكر أن قتلى الإخوان كانوا سبعة آلاف وهذه المعلومات لا شك في مجانبتها للصواب، فالخسائر البشرية في وقعة تربة كما قدرتها المصادر التاريخية تناقض كلام المؤلف، فقد قدرها الريحاني بأنها خمسة آلاف من جيش الشريف وخمسمائة من جيش الإخوان، أما العبيّد فيذكر أن قتلى جيش الشريف كانوا تسعة آلاف وقتلى الإخوان كانوا ثلاثمائة وخمسين قتيلاً. - قال [ص141] في حديثه عن مغادرته معان إلى عمّان في القطار في 20 جمادى الثانية 1339ه: «ومما أذكره عن تلك الأثناء، مقابلة الشيخ يوسف ياسين لنا في الزيزاء وقوله لنا: «أرجوكم أن تعودوا إلى معان، فإن المعتدين الانكليز في شرقي الأردن قد انسحبوا إلى فلسطين وأخلوا السبيل لفرنسا كي تخرجكم إن دخلتم». وكانت يده ترتجف وهو متعلق بنافذة القطار فقلت له: لا بأس عليك ولا خوف علينا ثم دفعت يده من ملتزمها فانحط إلى الأرض». - قال [ص157] ص214: «وفي منتصف صفر سنة 1343ه... هجم الوهابيون على مدينة الطائف وعقب ذلك نشوب الحرب بين نجد والحجاز... وبتاريخ 5 /3/1343 ه تنازل جلالة المنقذ الأعظم عن العرش... وفي 24/6/1925م أصدرنا الإرادة التالية...» نظراً لتنصيب صاحب الجلالة الهاشمية الملك علي... ضم ولاية معان والعقبة إلى إمارتنا...»، ليرفع علم شرق الأردن في معان بعد ذلك بيوم واحد. وفي كلام المؤلف هذا دلالة واضحة على أن معان والعقبة هي في الأصل جزء من أراضي الحجاز، في حين كان الزج باسم الملك علي الذي كان محاصراً في جدة في هذه الإرادة مجرد تمويه لتبرير ضمهما إلى الأردن! والحجة الواقعية لضمهما في ذلك الوقت بالذات، هي الخوف من استيلاء ابن سعود عليهما باعتبارهما جزءاً من أراضي الحجاز!! ويظهر أن الملك عبدالله بن الحسين لم يصدر هذه الإرادة بصورة عشوائية أو من دون تنسيق خارجي مسبق! - [ص237] تم حذف نص يتهم فيه المؤلف صراحة بعض المستشارين بتدبير اغتيالات لشخصيات سياسية في سورية مع إشارة في حاشية الصفحة نصها: «النص كامل في الآثار الكاملة للملك عبدالله بن الحسين»، ولكن، من دون ذكر لرقم الصفحة أو بيان للطبعة، كما أنه ليس في هذه الإشارة ما يفيد بحذف جزء من النص الأصلي بل هي مجرد إحالة ناقصة!! ولا شك في أن في هذا تدليساً واضحاً على القارئ! وقد تم أيضاً إضافة عبارة: «بخصوص الاغتيال السياسي المنجور» في حين تم حذف عبارات أخرى وإلصاق النص ببعضه البعض من دون أي إشارة لذلك مما يوهم باتصاله. - جاء في [ص 258259] وتحت عنوان (الملك عبدالعزيز آل سعود) ما نصه: «ثم عدت وسافرت وهناك رأيت جلالة الملك عبدالعزيز ووقفت على آرائه ونياته الحسنة... ولا بد لي من التحدث عن شخصية الملك عبدالعزيز في أثناء زيارتي لجلالته، فأنا أقر بأن جلالته من دهاة العرب في العصر الحاضر حلو المعشر أصحل الصوت لطيف الكلمات والجمل، وهو سعد النزيل ومكرم الضيف رزقه الله ما شاء من البنين والحفدة ومهد له كل ما أراده، وقد صادف قرمين من العرب كل منهما أشجع من أسامة ولكنه عرف كيف يتقي بأسهما ثم يتخلص منهما، وإنني أشعر باحترام قلبي لجلالته إذا أنه عاملني بما أحب من صراحة في السياسة تبيان للحقائق وعدم اعوجاج فيما رسم من خطط». هذا ما ورد هنا وهو نفسه الوارد في الآثار الكاملة، والحقيقة أن هناك بقية للنص سقطت في كليهما ولكنها وردت في النص الأصلي في كتاب التكملة المطبوع في القدس سنة 1951م وهي قوله: «هذا وللأمير سعود نجله من المكانة لدي ما لم يشاركه فيها بعد أبيه من آل سعود أحد». فهل الناشران لم يعلما عن هذا السقط لعدم رجوعهما إلى المصدر الأصلي فيكون في ذلك مخالفة واضحة لمناهج البحث العلمي؟! أم أنهما حذفاه كما حُذف غيره من النصوص من دون أي إشارة أو تنبيه فيكون في ذلك تدليس على القراء وتلاعب بالنصوص وتغافل عن الأمانة والأصول العلمية؟! - [ص273 274] جاء ضمن حديث عن الحج: «نذكر هذا راجين من القائمين على الحج اليوم أن يعلنوا ما وجب مما فرضوه على الناس من جعل وأتاوات...»، ثم يذكر الالتماس الذي قدمه له حجاج من المغرب ليتوسط لهم عند الملك عبدالعزيز ويورد نصه المؤرخ في 5/9/1950م ثم يورد نص برقيته إلى الملك عبدالعزيز المؤرخة في 6/9/1950م وجواب الملك عبدالعزيز في 6/9/1950م . ولا يخفى أن مثل هذه الأحاديث عن الأتاوات لها تأثير سلبي في صورة الملك عبدالعزيز أمام العالم الإسلامي والتقليل من قدرته على إدارة الحرمين الشريفين!! في حين لم تكن هذه الرسوم إلا التكاليف التي يدفعها الحجاج للخدمات كالسكن والمواصلات والإعاشة وغيرها، وهي مقننة ومحددة لكافة الحجاج حماية لهم من الاستغلال ولا يدخل خزينة الدولة شيء منها بل هي تصرف على الحجاج أنفسهم!! وهذا ما أوضحه الملك عبدالعزيز في جوابه المنشور مع تسامحه في التجاوز عن هذه الرسوم إذا كان هؤلاء يمتلكون القدرة المادية على تصريف أمورهم!! 10 [ص278] في حديث بعنوان المدينةالمنورة جاء: «... وأنها وإن أزيلت بها قباب ومراقد، فإن حرمتها لا تزول وعن طيب الذكر لا تحول رغم كل حاسد وجاهل...». فالمؤلف يتحدث عن أمور عقائدية هي من أصول الدين ومن المعلوم أن إزالة القباب والمراقد المقامة على القبور من قواعد التوحيد التي حرص عليها الإمام محمد بن عبدالوهاب وكل من سار على عقيدة السلف الصالح، وهو مسار الدولة السعودية في أدوارها الثلاثة، والمؤلف ينافح عن هدم القبور هنا ربما لدافع عقيدي ثبت بطلانه، وربما لدوافع سياسية، وربما لدوافع أخرى لا نعلمها. الجزء الثاني أولاً: من أنا؟ (ص334 - 424 ) قال المؤلف [ص423]: «من الواضح الملموس أن البلاد العربية تقسمت زعامتها فئة من الناس تضع نصب العين الحرص على الحكم والتحكم مرة بالعصبية ومرة بالحزبية وأحياناً بالقوى الأجنبية، ولم يكن للأمة العربية نصيب في زعمائها من ناحية النزاهة والابتعاد عن الأغراض والفوائد الشخصية والحزبية والعصبية المذهبية وأخيراً السمسرة...» ولا شك أن في كلام المؤلف تعميماً لا يليق، وتعريضاً لا ينبغي، كما أن فيه تزكية واضحة للنفس، وهذا الأسلوب هو السائد في كل أجزاء هذه المذكرات. ثانياً - المنثور: (ص 451456) اشتمل على تأبينه لأبيه وبيان إلى الأمة العربية لمناسبة وفاة شقيقه فيصل وحديث عن نجله طلال وكلمة لنفسه بعنوان (نبذ وشعور) يظهر أنها كتبت كمقدمة لديوان شعر وقد يكون محلها في غير هذا الموضع من الكتاب! لكن المتأمل لما فعل القائمون على نشر الكتاب لن يستغرب وجود أي خطأ آخر! (مقاطع من دراسة طويلة) * باحث سعودي