محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية حينما التقى الأستاذ نجم عبدالكريم بالعلامة الشيخ حمد الجاسر ضمن لقاءاته بالعديد من المشاهير والأعلام، سأل الشيخ حمد عن دراسته للأنساب وعن ما يسمى بالطبقية في مجتمعنا فأجابه رحمه الله قائلا بأنه في كتابه دراسة في أصول الأنساب توصل إلى شيء خطير جدا وهو أن الأنساب لا تقوم على أساس علمي ثم أردف قائلا: «وإذا كان بعض الباحثين يقول عن التاريخ إنه خرافة، فالأنساب خرافة الخرافات، وهذا ما وصلت إليه، وأنا درست وألفت في هذا العلم من قبيل الحفاظ على مأثورات شعبية، علما أنني أنتمي إلى قبيلة من الذين يأبون أن يزوجوا بناتهم إلا لقبيلتهم!! لكني يجب أن أوكد أن هذه الأعراف تتنافى مع تعاليم القرآن الكريم وقول النبي عليه الصلاة والسلام، لأن أي نظرية علمية تبحث فيها في هذا الجانب لن تجد نصا صريحا يقر ما هو سائد. ومن قال سوى ذلك فهو مخطئ ومخالف للدين». وقد أورد ذلك في كتاب «شخصيات حاورتها وعرفتها». أجزم أن البعض لم يطلع على هذه المقولة الجريئة من الشيخ حمد وإن كان هو صرح بمضمون هذا الكلام في عدة مواضع من كتبه آخرها كتابه «البرود». إلا أن الشيخ حمد يؤكد هنا على نقطتين هامتين إحداهما أن علم الأنساب لا يقوم على أساس علمي والثانية أنه خرافة وهو يمثل بذلك رأيا مهما من قامة علمية معروفة لا أحد يزايد على اهتمامه بالعلوم كافة. والجدل القائم اليوم حول علم الأنساب يؤكد هذه الحقيقة فالتباينات والاختلافات تظهر عمق وصعوبة وغموض هذا الموضوع بحق. بل إن أقوى المصادر التي تحدثت عن قدوم العرب وتقسيماتهم المتداولة اليوم ليست دقيقة بدليل الفجوات الكبيرة للعديد من الفترات الزمنية المتقطعة التي تظهر تساؤلا مهما أورد جزءا منه الشيخ حمد الجاسر. بل إن القرآن الكريم لم يشر مطلقا كما تتبع ذلك العديد من الباحثين إلى تلك التقسيمات المتداولة للعرب العاربة والمستعربة وغيرها. بل أشار إلى أن جد العرب واحد وهو إسماعيل بن إبراهيم وأن إبراهيم هو أبو العرب كما قال تعالى «هو اجتباكم وما جعل عليكم فِي الدينِ مِن حرجٍ ملة أبيكم إبراهيم». وإن كان البعض يفهم منه خطابا لأمة وليس للجنس العربي فقط ولست هنا أطالب بإيصاد الباب الذي تنطلق فيه دراسات جادة في هذا المحور لكن أن تنسحب تلك الدلالات التي يحملها البعض وهي ظنية إلى تهميش للآخرين وانتقاص من حقوقهم فهذا هو المرفوض. إن العقلية التي يعيشها البعض بالأفضلية المطلقة لبعض القبائل والأنساب هي التي أودت بالمجتمعات العربية إلى تلك النقيصة في تراجعها الفكري والذهني ومن المدهش أيضا تلك التأكيدات المطلقة عن تلك الأنساب وهي قد تكون وهمية وليست قطعية في علم الأنساب. وإذا تم البحث في التدوين الحقيقي لهذا العلم كما يقال سوف يجد الباحث فيه غرائب وعجائب تقودك في النهاية إلى الخرافة التي حكاها الشيخ العلامة حمد الجاسر. إلا أن الإيغال المسموم الذي حمله البعض في هذا الجانب هو الذي قاد حتما إلى تلك التجاذبات الكبرى حول حقيقة علم الأنساب وصدقها وإذا كانت في السنوات المتأخرة ظهر الحمض النووي والتحليل ب (DNA) فهو يؤكد كذب الأسطورة التي كانت تتحدث عن علم الأنساب وقطعيتها السابقة المتداولة في الكتب والمصادر. فهذه التحاليل التي يؤكد الجميع قطعيتها قد أتت بمعلومات تخالف جملة وتفصيلا تلك القطعيات التي كنا نتلقاها عن من يسمون علماء النسب ونقلته ورواته. وليت العلامة حمد الجاسر رحمه الله كان حيا ليشاهد صدق نبوءته وكلامه. أعتقد أنه آن الأوان في ظل هذه المتغيرات المتسارعة في التحليل للحمض النووي وغيرها من المستجدات العلمية أن نعيد قراءة علم الأنساب قراءة متأنية بعيدة عن التعصب الأعمى الذي انكفأت جذوته في ظل هذا التطور الخطير. وعلينا أيضا أن نكف عن تلك الإسقاطات التي يحملها البعض تجاه الآخرين. وعلى أولئك الذين حملو رأيه التأكيد على قطعية علم النسب ودلالة الأنساب أن يتأملوا تلك الكلمات من الشيخ حمد وما آل الناس إليه اليوم.