ستكون الرؤية الشرعية التي حضر بها عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع واحدة من أسخن الرؤى العابرة للغلاف الاجتماعي، وستتركه ساخناً مدة غير معلومة، وستفتح المجال أمام القادمات من بناتنا لعش الزوجية قائلة لهن: لن يصبح الزوج محمّلاً معكن بعنترياته السابقة، وبطولاته السالفة، فقط ببضع كلمات يمكن وضعه في خط مرن مستقيم، لا يسبق أحدكم فيه الآخر»! رأى الشيخ المنيع جواز أن تكون العصمة بيد الزوجة في حال تم الاتفاق على ذلك بين الزوجين في عقد النكاح، ولأن الرجل أشد ما يفقد توازنه عند إجراءات النكاح وبعد الرؤية الشرعية تحديداً، فالاتفاق حاصل بلا ذرة شك، ولكن متى ما كانت المرأة ذكية في اصطياد لحظات الهبوط العقلي والانفجار العاطفي لزوج المستقبل، وتمكنت من الحصول على هذا الشرط الذي أراه «ورطة مستقبلية». بقدر ما أنا سعيد بهذه الفتوى كونها توقظ عقلية المرأة، وتشجعها على البحث والمضي بشجاعة في اتخاذ قراراتها، ومعرفة حقوقها المخفية بفعل ذكوري، بقدر سعادتي أيضاً بأن شيئاً من المياه الراكدة في قضايانا الشرعية يتحرك يوماً بعد آخر، وتحضر آراء جديدة على طاولة الطرح، وهي آراء كان من المستحيل أن تظهر في وقت مضى، لاعتبار ذلك محظوراً وولوجاً لمساحة لا يمكن التنبؤ بتداعياتها. أعرف أن الرجال سيضعون هذه الرؤية الشرعية في الهامش، ويحسبونها تجاوزاً غير مألوف للعادات والأعراف والتقاليد التي تقدم التشريعات الرسمية والمعمول بها أكثر من أي شيء آخر، لكن عرض مثل هذه الرؤى التي يستقبلها المجتمع على هيئة فتوى قاطعة لما قبلها، سيرفع مستوى الجدل المحلي ويترك المجال متاحاً ومناسباً للبحث والاستقصاء والتفتيش في كثير من المناطق المجهولة في العلم الشرعي، وقد لا تكون مجهولة من طريق العمد، إنما لأن لوازم المرحلة تتطلب تغليب هذا الجهل المدروس، وإحضار الحقائق المفاجئة لتقديمها بهدوء، وعندما يكون المجتمع مشغولاً بقضايا أكبر منها. كل ما يقوي عضلات المرأة لا يستسيغه الرجل، وأعني هنا العضلات العقلية مجازاً، وكل ما يذهب لجيبها لا بد أن يدقق في كميته ومصدره وقسمة الرجل منه، وما يضع المرأة قريبة للرجل في الحقوق والمزايا والإمكانات نقف دونه حاجزاً ولو من تحت الطاولة، فلدينا إصرار داخلي على أن إضعاف المرأة قوة للمجتمع، ونستعيد مثالاً خجولاً بأمهاتنا اللاتي قدن التربية والتعليم من منازلهن بحضور اجتماعي نصرّ على أنه خجول، وأبصم على ذلك في جانب الحضور المضيء وأستثني الخجل، فهن لم يكنّ بمعزل تام عن الرجل، وكن شريكات له في كل أوجه البناء. لشيخنا الفاضل أقول: برأيك الشرعي الجريء والخارج من دهاليز النسيان أضأت طريقاً بحثياً جديداً، وأغلقت طريقاً مضاءً بالخطأ، سيجردك بعض قومي من العقلانية ويتهمونك بالتسرع والمضي في خط اجتماعي أحمر، لكني متفائل بأننا الآن أصبحنا جريئين في القول «علناً» ما كنا نخشى أن نقوله في الزمن الفائت «سراً».