الرجل الذي تصدى سنين لمهمة توجيه العرب أقطارا وشعوبا نحو التطور والحداثة والديموقراطية والحقوق المدنية عبر قناة الجزيرة وتولى شرح الأحداث وتحليل المواقف الفكرية والسياسية والإقليمية والدولية، نسي قيادة نفسه نحو تلك الأهداف، وتحول في خضم حملته الدونكيشوتية تلك لمستودع هزائم وخيبات . علماني في زمن هيمنة الأصوليات، مقاوم متقاعد هارب في ظل تغول المشروع الاستيطاني الصهيوني، فيما تواجه زميلته حنين زعبي دعاوى قانونية يومية ضد عضويتها في الكنيست. مسيحي أقلوي وسط محيط إسلامي مهيمن، قومي بمرجعية شيوعية في وقت الشعوبيات والتقسيمات المنمنمة لمجتمعات الشرق الأوسط وصعود نمط استهلاكي رأسمالي معولم.. صاحب النزعات الفلسفية في حين بات كل ما حوله شعبويا ومباشرا ووعظيا، يصفه مريدوه بالمفكر العربي في محاولة للإيهام بكونه عابرا للهويات والقطريات، في الوقت الذي عجز عن المحافظة على تمثيل بلدته الناصرة في الانتخابات.. وحين وصل المد الثوري إلى سورية صمت بغرابة ولاذ بالظل والظلال بحثا عن سلامة ما، فقد غضب عليه النظام البعثي حليف الأمس وصديق الأيام الخوالي لما حاول الاستمرار في التأصيل الثوري موهوما بقيمة ما ظنه كسبها أثناء الثورة المصرية. "قرضاوي الجزيرة العلماني" الغائب عن الظهور هذه الأيام سكت لأن حسابات التحريض التي بشر بها قبلا أتت بنماذج وأنظمة لا تتفق مع رؤيته الناقصة.. جاءت الثورات بثوار ذي لحى كثة متبنين أفكارا دينية ومشاريع فيها من الحلم أضعاف ما بها من الواقع، انشغلوا بصراعات السلطة واستحواذاتها وهو الذي كان يظن أنه يقدم خارطة طريق تفصيلية للتنمية وبناء المؤسسات وهيكلة الدول.. سقطت الأنظمة التي كانت تستضيفها مؤسساتها لإلقاء المحاضرات وباتت في ذمة التاريخ، تحول المحور المقاوم الممانع القريب منه إلى أداة شاملة للقتل وتوزيع المجازر بالتساوي على المدن الثائرة.. انكشف الغطاء الطائفي ل"حزب الله"، وجدت "حماس" حلفاء جددا يتولون مسؤوليتها، فيما قننت إطلالاته عبر قناة "الجزيرة" إلا من هزائمه المتوالية وخيباته الكثر.